السؤال
أنا من مصر، ولي وجهة نظر مختلفة عن أهلي في السياسة تماما، وأرى أن وجهة نظري هي الأقرب إلى دين الله، وأن وجهة النظر الأخرى تضر بالإسلام ودماء المسلمين، ولكن وجهة نظري هذه تقلل من رضاهم عني وتجعلهم في غاية الحزن بشأني، فهل أنا في هذا الوضع غير بار بوالدي رغم أنني أحبهم كثيرا وأحترمهم؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من العقوق مخالفة الأهل في وجهة نظر ما في مسألة من المسائل التي تختلف الناس في شأنها إن لم يقم الدليل الشرعي على رجحان وجهة نظرهم، وينبغي للولد أن لا يظهر خلافه لهم، فقد ذكر أهل العلم أن الوالد لو أمر ولده باتباع مذهب معين فلا يلزم الولد أن يطيعه في ذلك، ولكن الأولى بالولد عدم تعمد إظهار خلاف الوالد، وأن يحرص على إرضائه بما لا يخالف الشرع، فقد قال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى:... وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق لم يلتفت إليه أخذاً مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته، وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد ومنع الوالد له أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة فهو حمق وغباوة، فلا يلتفت له الولد في ذلك، وأمره لولد بفعل مباح لا مشقة على الولد فيه يتعين على الولد امتثال أمره إن تأذى أذى ليس بالهين إن لم يمتثل أمره، ومحله أيضاً حيث لم يقطع كل عاقل بأن ذلك من الأب مجرد حمق وقلة عقل، لأني أقيد حل بعض المتأخرين للعقوق بأن يفعل مع والده ما يتأذى به إيذاء ليس بالهين بما إذا كان قد يعذر عرفا بتأذيه به، أما إذا كان تأذيه به لا يعذره أحد به لإطباقهم على أنه إنما نشأ عن سوء خلق وحدة حمق وقلة عقل فلا أثر لذلك التأذي، وإلا لوجب طلاق زوجته لو أمره به، ولم يقولوا به، فإن قلت لو ناداه وهو في الصلاة اختلفوا في وجوب إجابته، والأصح وجوبها في نفل إن تأذى التأذي المذكور، وقضية هذا أنه حيث وجد ذلك التأذي ولو من طلبه للعلم أو زهده أو غير ذلك من القرب لزمه إجابته، قلت: هذه القضية مقيدة بما ذكرته إن شرط ذلك التأذي أن لا يصدر عن مجرد الحمق ونحوه كما تقرر، ولقد شاهدت من بعض الآباء مع أبنائهم أموراً في غاية الحمق التي أوجبت لكل من سمعها أن يعذر الولد ويخطئ الوالد، فلا يستبعد ذلك، وبهذا يعلم أنه لا يلزم الولد امتثال أمر والده بالتزام مذهبه، لأن ذلك حيث لا غرض فيه صحيح مجرد حمق، ومع ذلك كله فليحترز الولد من مخالفة والده، فلا يقدم عليها اغترارا بظواهر ما ذكرنا، بل عليه التحري التام في ذلك... فتأمل ذلك، فإنه مهم. اهـ.
والله أعلم.