السؤال
أنا فتاة معجبة بموقعكم الرائع: أنهيت دراستي الجامعية ـ والحمد لله ـ في إحدى كليات القمة، وطوال عمري وأنا أضع التفوق والاجتهاد نصب عيني من أجل والدي، وأن أحقق لهم كل ما يتمنونه، وهما دائما في مشاكل وخلافات منذ صغري، وأتذكر كل خلافاتهم ومشاكلهم وأصدم مما يفعلونه ويؤثر كثيرا على نفسيتي، ولن أطيل عليكم بسرد القصص، ويكفي أن أقول لكم إنني اكتشفت أن والدي للأسف كاذب، وأكل حقوق أناس كثيرين، وسرق وورط أمي في الكثير من الإهانات مع أهلها وإخوتها، وكان يهينها ويضربها ويطلقها، ثم تعود له حتى طلقها الطلقة الثالثة، وذهبا إلى دار الإفتاء وقال إنه لم يرد أن يطلقها ولا يتذكر، فقال الشيخ إن الطلقة لم تقع وأكملنا حياتنا، وقال لها أمامنا أنت طالق وأنا بكامل قوتي العقلية، وذهبا إلى الشيخ ققال إن الطلاق قد وقع، وبحث معهم ظروف الطلقات السابقة الأولى والثانية، ووجد أن الثانية لم تقع من خلال كلام والدي، وأنا على ثقة أن والدى يكذب على الشيخ في أمر الطلقة الثانية، لأنه وجد أن مصاريف الطلاق كثيرة وأمي تعلم ذلك، لكنها تكذب نفسها وتقول لي إن كلامي خطأ، لأنها تعلم أنه لن ينفق، وأنا في حيرة شديدة، لا أتعامل معهم ولا أريد أن أراهم، وكلما رأيتهم أصاب بالغثيان، وقد ضربني والدي ضربا مبرحا، لأنني أخبرته بهذا، وكلنا يعلم كذب والدي: خالي و جدتي....
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على إعجابك بموقعنا، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك إلى طاعته وتبليغ دينه، إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب.
ولا يخفى ما للوالدين من منزلة عظيمة، وأن الله تعالى قد قرن حقه بحقهما وشكره بشكرهما، ويمكنك أن تراجعي النصوص بهذا الخصوص في الفتوى رقم: 3109.
فبرهما واجب على ولدهما، وهذا البر لا يسقطه إساءتهما، فالواجب عليك الحذر من الإساءة إليهما بأي نوع من الإساءة فهي ـ وإن قلت كالضجر وعبوس الوجه ـ عقوق وكبيرة من كبائر الذنوب، وراجعي الفتويين رقم: 36837، ورقم: 125222.
وأما الكره القلبي لما يمكن أن يصدر من أي منهما مما لا يرتضيه الشرع: فهو بمجرده ليس عقوقا، كما بينا في الفتوى رقم: 189667.
وما ذكرت عن والدك من أمر السرقة والكذب وأكل أموال الناس بالباطل يعتبر من الموبقات، فالواجب أن ينصح بخصوصها ويذكر بالله تعالى، وينبغي تحري الرفق واللين في ذلك، والأولى أن يكون النصحح ممن له وجاهة عنده، هذا مع الدعاء بأن يوفقه الله إلى التوبة وصلاح الحال.
وأما الطلاق: فأمره خطير، فلا يجوز التلاعب به، فقد قال الله عز وجل في سياق آيات الطلاق: وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا {البقرة:231}.
ولا نستطيع أن نذكر على وجه الدقة الحكم في هذه الطلقات، لأننا لا ندري حقيقة اللفظ الذي صدر من أبيك، وما يمكننا قوله هو أن الكذب على القاضي، أو المفتي في أمر الطلاق لا يغير من الحقيقة شيئا، وإن كانت أمك على يقين من أن والدك قد طلقها ثلاث طلقات، فلا يحل لها البقاء معه، بل يجب عليها مفارقته ولو بأن تفتدي نفسها منه، كما بين ذلك الفقهاء، وراجعي الفتوى رقم: 162753.
وننبه إلى خطورة الخلافات في الحياة الزوجية، وعظم أمر إظهار الزوجين هذه الخلافات أمام الأولاد والأثر السيء عليهم في حياتهم.
والله أعلم.