السؤال
حول الحديث: ((إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه)).
هل معنى أبصر مجرد الإبصار أم الإبصار وتحرك الشهوة؟ وهل نفهم منه أن الفطرة السليمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت قد تثار بإبصار المرأة حيث التعفف، وعدم الاختلاط. فما تطبيقه اليوم بعد الاختلاط واعتياد النظر إلى النساء كالمذيعات وأصبح ذلك لا يحرك الشهوة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث قد أخرجه مسلم في صحيحه، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها، فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه، فقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه.
والمراد بهذا الحديث هو الإبصار الذي سبب شهوة النساء أو الإعجاب بهن، ويدل لهذا ما رواه أبو كبشة الأنماري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه، فدخل ثم خرج وقد اغتسل، فقلنا: يا رسول الله؛ قد كان شيء؟ قال: أجل، مرت بي فلانة، فوقع في قلبي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها، فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال.
قال الهيثمي في (المجمع): رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات. اهـ. وقد صححه الألباني والأرناؤوط.
وقال القرطبي في المفهم - : أي : في صفته من الوسوسة، والتحريك للشهوة؛ بما يبدو منها من المحاسن المثيرة للشهوة النفسية، والميل الطبيعي، وبذلك تدعو إلى الفتنة التي هي أعظم من فتنة الشيطان؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (( ما تركت في أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء )) .اهـ.
وقال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء: معناه: الإشارة إلى الهوى، والدعاء إلى الفتنة بها؛ لما جعل الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بنظرهن، وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له، ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها ألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة، وأنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها، والإعراض عنها مطلقاً. انتهى.
وقال الإمام الحافظ المناوي في شرح هذا الحديث في فيض القدير: فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، أي استحسنها؛ لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه، فليأت أهله، أي: فليجامع حليلته، فإن ذلك، أي جماعها، يرد ما في نفسه، أي: يعكسه ويغلبه ويقهره.... وأرشدهم إلى أن أحدهم إذا تحركت شهوته واقع حليلته تسكيناً لها، وجمعاً لقلبه، ودفعاً لوسوسة العين. وهذا من الطب النبوي، وهذا قاله لما رأى امرأة فأعجبته، فدخل على زينب رضي الله عنها، فقضى حاجته منها، وخرج فذكره. اهـ.
وأما عن كون المجتمع الذي تنتشر فيه العفة والحجاب قد تحصل فيه الإثارة بأدنى مما تحصل به في المجتمع الذي يكثر فيه التبرج. فهذا أمر محسوس فعلا، ولكن البعد عن النظر للعورات، وعما يثير الشهوة واجب ولو لم يكن الإنسان يتلذذ بالنظر كما قال الناظم:
ولا يبيح نظر المحظور * عدم شهوة لذا المنظور
وكل ما جاز إليه النظر * نظره مع تلذ يحظر
ولو أن الإنسان لاحظ أنه تغلبه نفسه على نظر النساء، فمن أحسن ما يساعده على غض البصر، الاتصال بزوجه، ففي الحديث: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. رواه البخاري ومسلم.
فالاتصال بالزوجة من أنفع الوسائل في قمع النفس عن التعلق بالأجنبيات، والإعجاب بهن وإدمان النظر إليهن. فقد جاء في صحيح الإمام مسلم: باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها. وأسند الحديث: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه.
قال النووي شارحاً لهذا الحديث: إنه يستحب لمن رأى امرأة فتحركت شهوته أن يأتي امرأته، أو جاريته إن كانت له فليواقعها -يعني يجامعها- ليدفع شهوته وتسكن نفسه، ويجمع قلبه على ما هو بصدده.
وهذا الحديث يدل على أن الرجل مفطور على حب المرأة والتأثر بالنظر إليها، ولهذا جاء الأمر بغض البصر للمؤمنين، وفيهم خيرة الخلق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم أطهر هذه الأمة قلوبا.
والله أعلم.