السؤال
لدي منتدى مجاني أنشأته، كنت ألهو به كثيرا حتى إنني ضيعت شهر رمضان فيه.
فهل أي موضوع أو مساهمة أو الخ فيه معصية يبنغي لي حذفها ( مع العلم أني الآن موسوسة ) أم ينبغي لي حذف المنتدى بأكمله؟ ولكني اتخذت قرارا على نفسي أني لن أرجع إلى لهوي بهذا المنتدى الذي لهوت به بعد التزامي. يعني أنني التزمت والحمد لله، ثم إنني بعد ذلك لهوت به وربما كان سببا في الوسواس وبعدي عن الله.
هل يجب علي حذف المنتدى بأكمله أم إنني فقط أستغفر الله على ما فعلت وهل أحذف مساهمات الأعضاء السيئة أم ماذا؟
وجزاكم الله خيرا على ما تقدمونه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا المنتدى إنما أنشئ لتبادل الفائدة ونشرها، أو للمباحات من ألعاب مباحة وغيرها، فليس في إنشائه إثم، بل هو مباح إن كان مقتصراً على المباحات، ومندوب إن كان فيه شيء من نشر الفائدة بين الناس. أما إن كان قائماً على نشر المحرمات كالأغاني، والأفلام، والكلام الساقط، فهذا الذي يأثم صاحبه. أما إن كان بعض المشاركين يضع فيه ما يخالف الشرع، فهذا لا يحرّم إنشاءه، ثم يجب على المسؤول عنه أن يحذف المشاركات المخالفة، كما في الصحيح: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده...» الحديث. وقد سبق أن أفتينا في حكم إنشاء المنتديات في الفتوى رقم: 157661.
ولا ينبغي أن توسوسي في هذا، وادفعي الوساوس عنك، وتذكري قول الله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ {الأعراف:32}، وقوله تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {الأنعام:164}.
وأما انشغالكِ بالمباحات عن شهر رمضان والعبادة فيه، فلا شك أنْ به يفوت عليك خيرا عظيما، وإن كان ذلك لا يحرم ما لم تضيعي به واجباً.
فأكثري من الاستغفار لله تعالى وذكره، وحافظي على النوافل، وجاهدي نفسك في رمضان القادم وفي غير رمضان، ألا تشغلكِ المباحات دائماً عن ذكر الله تعالى، فإن هذه الحياة قصيرة، وفيها يجمع ابن آدم زاد آخرته، وهو محاسب على وقته وعمره فيما أفناه، كما في سنن الترمذي من حديث أبي برزة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ.
وتذكري أنه لن ينفعك في الآخرة غير ما قدمتِ لله، وأما غير ذلك فلا نفع له يوم القيامة. قال تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {الحديد:20}. وقال: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا {الكهف:7}، وقال: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:28}.
ولا يعني ذلك أن تمنعي نفسك عن اللهو بالمباحات من زينة الحياة الدنيا، بل اجعلي أمركِ بين الأمرين ساعةً وساعة، كما في صحيح مسلم من حديث حنظلة الأُسَيِّدي، وفيه: قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك؟» قلت: يا رسول الله نكون عندك، تُذكّرنا بالنار والجنة، حتى كأنّا رأيُ عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة» ثلاث مرات.
فإنّ النفس تفتُرُ عن العبادة وتحتاج إلى ما يسليها حتى يرجع نشاطها فتعاودَ فعل الطاعات، كما أن الجسدَ يفتُرُ ويضعُف، ويحتاج إلى الراحة والنوم ليعود لنشاطه بعد ذلك.
وفقنا الله وإياكِ لطاعته، وهدانا وإياك وثبتنا على الهدى والرشاد.
والله تعالى أعلم.