السؤال
عملت عددا من السنين في مؤسسة عامة ثم استقلت من عملي بحثا عن رزق أوفر، فأنشأت مقاولة فوجدت أنه لا مناص من الرشوة للعمل ثم فتحت متجرا فأفلست بسبب شريكي الذي أمسكته يسرق، حاولت الرجوع إلى عملي فقيل لي إن ذلك ممنوع بنص القانون، فبحثت عن عدة أعمال ولكن دون فائدة، واليوم قد بلغت سن التقاعد بعد 22 سنة من البحث المضني والتخبط بين الحاجة والاحتياج، ذهبت إلى صندوق التقاعد فقيل لي لك كل الحق، ولكننا سنبني على أجرك القديم، وللمثال لا الحصر سعر الرغيف صار يساوي 28.5 رغيفا منذ ذاك الوقت، والأجر لزميل لي في نفس المؤهلات صار يعادل 21 مرة ذاك الزمان، يعني أن ما سأتقاضاه لا يناسب أسعار ومتطلبات أبسط الاحتياجات وأقل الضروريات، فاقترح عليَ أحدهم أن أدفع التزامات 5 سنوات اشتراك لصندوق الضمان الاجتماعي باسم مؤسسة أخرى لكي أتقاضى أجرا يناسب متطلبات اليوم، فهل من حرج على من سيؤمنني؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك فعل الحيلة المذكورة، وصندوق الضمان المبني على الغرر والقمار لا يجوز الاشتراك فيه اختيارا، ومن أجبر على الاشتراك فيه أو كان قد اشترك فيه قبل أن يعلم حرمته فليس له أن ينتفع منه بغير ما اشترك به فقط.
وعلى كل فلا يجوز لك فعل ما ذكرته، ولا يجوز لغيرك إعانتك على ذلك الفعل المحرم، هذا مع ما يتضمنه ذلك الفعل من الغش والخداع فهي ظلمات بعضها فوق بعض، فاتق الله تعالى وابحث عن السبل المشروعة، والمبلغ الذي تريد الاشتراك به يمكنك استثماره في مشروع مباح يغنيك عن الحرام، واعلم أن من اتقى الله كفاه ويسر أمره ورزقه من حيث لا يحتسب، قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا { الطلاق : 2ـ 3 }.
وصح من حديث أَبِي أمامة أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، قَالَ: إنّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أنّ نَفْساً لنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَكْمِلَ أجَلَها وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَها، فاتّقُوا الله وأجْمِلُوا في الطَّلبِ ولا يَحْمِلنَّ أحَدَكُمُ اسْتِبْطاءُ الرِّزْقِ أنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةِ الله، فإنّ الله تعالى لا يُنالُ ما عِنْدَهُ إلاّ بِطاعَتِهِ. رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، وصححه الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: إن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها ـ الذي كتبه لها الملك وهي في بطن أمها فلا وجه للوله والتعب والحرص والنصب إلا عن شك في الوعد، وتستوعب رزقها كذلك، فإنه سبحانه وتعالى قسم الرزق وقدره لكل أحد بحسب إرادته، لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص، بحسب علمه القديم الأزلي، ولهذا سئل حكيم عن الرزق فقال: إن قسم فلا تعجل، وإن لم يقسم فلا تتعب ـ فاتقوا اللّه أي ثقوا بضمانه، لكنه أمرنا تعبداً بطلبه من حله، فلهذا قال: وأجملوا في الطلب ـ بأن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة بغير كد ولا حرص ولا تهافت على الحرام والشبهات، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق ـ أي حصوله ـ أن يطلبه بمعصية اللّه، فإن اللّه تعالى لا ينال ما عنده من الرزق وغيره إلا بطاعته. انتهى.
والله أعلم.