السؤال
عندما أقوم بعمل أشعر وكأن فيه رياء، فأخشى أن أتوقف عن عمل الخير، أو أن أكون مرائية، وأصبح مهمومة.
فكيف أتغلب على هذا الشعور السيئ.
سؤال آخر: كيف آمر بالمعروف وأتغلب على نقد الآخرين؟
أرجوكم أفيدوني.
عندما أقوم بعمل أشعر وكأن فيه رياء، فأخشى أن أتوقف عن عمل الخير، أو أن أكون مرائية، وأصبح مهمومة.
فكيف أتغلب على هذا الشعور السيئ.
سؤال آخر: كيف آمر بالمعروف وأتغلب على نقد الآخرين؟
أرجوكم أفيدوني.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيطان حريص على إبعاد المسلم عن الأعمال الصالحة، ومن حيله أن يزين للعبد ترك العمل الصالح خوفا من الرياء، فينبغي على المرء الإعراض عن هذه الوسوسة، وأن يحرص على عمل الصالحات، ومجاهدة النفس في تحقيق الإخلاص لله، مع التضرع إلى الله بأن يمن عليه بالإخلاص له، وأن يعصمه من الرياء. والمؤمن يخاف على نفسه أن يداخل عمله الرياء، لكن المذموم أن يصل به ذلك إلى القنوط والوسوسة، وترك العمل.
جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: مما يقع للإنسان أنه أراد فعل طاعة يقوم عنده شيء يحمله على تركها خوف وقوعها على وجه الرياء، والذي ينبغي عدم الالتفات إلى ذلك، وللإنسان أن يفعل ما أمره الله عز وجل به ورغبه فيه، ويستعين بالله تعالى، ويتوكل عليه في وقوع الفعل منه على الوجه الشرعي.
وقد قال الشيخ محيي الدين النووي - رحمه الله -: لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به الرياء، بل يذكر بهما جميعا، ويقصد به وجه الله عز وجل. وذكر قول الفضيل بن عياض - رحمه الله -: إن ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك قال: فلو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة، لانسد عليه أكثر أبواب الخير. انتهى كلامه.
قال أبو الفرج بن الجوزي: فأما ترك الطاعات خوفا من الرياء. فإن كان الباعث له على الطاعة غير الدين، فهذا ينبغي أن يترك؛ لأنه معصية، وإن كان الباعث على ذلك الدين، وكان ذلك لأجل الله عز وجل مخلصا، فلا ينبغي أن يترك العمل؛ لأن الباعث الدين، وكذلك إذا ترك العمل خوفا من أن يقال: مراء، فلا ينبغي ذلك؛ لأنه من مكايد الشيطان.
قال إبراهيم النخعي: إذا أتاك الشيطان وأنت في صلاة، فقال: إنك مراء فزدها طولا، وأما ما روي عن بعض السلف أنه ترك العبادة خوفا من الرياء، فيحمل هذا على أنهم أحسوا من نفوسهم بنوع تزين فقطعوا، وهو كما قال، ومن هذا قول الأعمش: كنت عند إبراهيم النخعي، وهو يقرأ في المصحف، فاستأذن رجل فغطى المصحف، وقال: لا يظن أني أقرأ فيه كل ساعة، وإذا كان لا يترك العبادة خوف وقوعها على وجه الرياء، فأولى أن لا يترك خوف عجب يطرأ بعدها. اهـ.
وانظري للفائدة الفتويين: 117814 30366
وأما الأمر بالمعروف فلا تخفى منزلته في الدين.
قال الغزالي: فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد .اهـ.
وقد بينا أدلة وجوبه وبعض أحكامه في الفتوى رقم: 9358.
وأما نقد الآخرين، فإن الآمر المعروف لا يكاد يسلم منه؛ لأنه يحول بين النفوس وبين شهواتها، فقد يبتلى بمن ينتقصه ويبغضه لما يقوم به، لكن المؤمن يقدم رضى الله على رضى المخلوقين، ويؤثر سخط الناس على سخط الله.
وننقل هاهنا كلاما مفيدا لابن القيم في سبيل الوصول لهذه المنزلة.
قال -رحمه الله- في مدارج السالكين: إيثار رضى الله عز وجل على غيره: هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلق. وهي درجة الأنبياء. وأعلاها للرسل عليهم صلوات الله وسلامه. وأعلاها لأولي العزم منهم. وأعلاها لنبينا صلى الله عليه وسلم عليه وعليهم. فإنه قاوم العالم كله. وتجرد للدعوة إلى الله. واحتمل عداوة البعيد والقريب في الله تعالى. وآثر رضى الله على رضى الخلق من كل وجه. ولم يأخذه في إيثار رضاه لومة لائم. بل كان همه وعزمه وسعيه كله مقصورا على إيثار مرضاة الله، وتبليغ رسالاته، وإعلاء كلماته، وجهاد أعدائه. حتى ظهر دين الله على كل دين. وقامت حجته على العالمين. وتمت نعمته على المؤمنين. فبلغ الرسالة. وأدى الأمانة. ونصح الأمة. وجاهد في الله حق جهاده. وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه. فلم ينل أحد من درجة هذا الإيثار ما نال. صلوات الله وسلامه عليه. وأما قوله: وإن عظمت فيه المحن. وثقلت فيه المؤن. فإن المحنة تعظم فيه أولا، ليتأخر من ليس من أهله. فإذا احتملها وتقدم انقلبت تلك المحن منحا. وصارت تلك المؤن عونا. وهذا معروف بالتجربة الخاصة والعامة. فإنه ما آثر عبد مرضاة الله عز وجل على مرضاة الخلق، وتحمل ثقل ذلك ومؤنته، وصبر على محنته: إلا أنشأ الله من تلك المحنة والمؤنة نعمة ومسرة، ومعونة بقدر ما تحمل من مرضاته. فانقلبت مخاوفه أمانا، ومظان عطبه نجاة، وتعبه راحة، ومؤنته معونة، وبليته نعمة، ومحنته منحة، وسخطه رضا. فيا خيبة المتخلفين، ويا ذلة المتهيبين. هذا، وقد جرت سنة الله - التي لا تبديل لها - أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاته: أن يسخط عليه من آثر رضاه، ويخذله من جهته. ويجعل محنته على يديه. فيعود حامده ذاما. ومن آثر مرضاته ساخطا. فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل. وهذا أعجز الخلق وأحمقهم. هذا مع أن رضى الخلق: لا مقدور، ولا مأمور، ولا مأثور. فهو مستحيل. بل لا بد من سخطهم عليك. فلأن يسخطوا عليك وتفوز برضى الله عنك أحب إليك وأنفع لك من أن يسخطوا عليك والله عنك غير راض. فإذا كان سخطهم لا بد منه - على التقديرين - فآثر سخطهم الذي ينال به رضى الله. فإن هم رضوا عنك بعد هذا، وإلا فأهون شيء رضى من لا ينفعك رضاه، ولا يضرك سخطه في دينك، ولا في إيمانك، ولا في آخرتك. فإن ضرك في أمر يسير في الدنيا فمضرة سخط الله أعظم وأعظم. وخاصة العقل: احتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما. وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما. فوازن بعقلك. ثم انظر أي الأمرين خير فآثره، وأيهما شر فابعد عنه. فهذا برهان قطعي ضروري في إيثار رضى الله على رضى الخلق. هذا مع أنه إذا آثر رضا الله كفاه الله مؤنة غضب الخلق. وإذا آثر رضاهم لم يكفوه مؤنة غضب الله عليه. قال بعض السلف: لمصانعة وجه واحد أيسر عليك من مصانعة وجوه كثيرة. إنك إذا صانعت ذلك الوجه الواحد كفاك الوجوه كلها. وقال الشافعي رضي الله عنه: رضى الناس غاية لا تدرك. فعليك بما فيه صلاح نفسك فالزمه. ومعلوم: أنه لا صلاح للنفس إلا بإيثار رضى ربها ومولاها على غيره. ولقد أحسن أبو فراس في هذا المعنى - إلا أنه أساء كل الإساءة في قوله، إذ يقوله لمخلوق لا يملك له ولا لنفسه نفعا ولا ضرا:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب.
ثم ذكر الشيخ - رحمه الله - ما يستطاع به هذا الإيثار العظيم الشأن.
فقال: ويستطاع هذا بثلاثة أشياء: بطيب العود. وحسن الإسلام. وقوة الصبر. من المعلوم: أن المؤثر لرضى الله متصد لمعاداة الخلق وأذاهم، وسعيهم في إتلافه ولا بد. هذه سنة الله في خلقه. وإلا فما ذنب الأنبياء والرسل. والذين يأمرون بالقسط من الناس، والقائمين بدين الله، الذابين عن كتابه وسنة رسوله عندهم؟ فمن آثر رضى الله فلا بد أن يعاديه رذالة العالم وسقطهم، وغرثاهم وجهالهم، وأهل البدع والفجور منهم، وأهل الرياسات الباطلة، وكل من يخالف هديه هديه. فما يقدم على معاداة هؤلاء إلا طالب الرجوع إلى الله، عامل على سماع خطاب: {ياأيتها النفس المطمئنة - ارجعي إلى ربك راضية مرضية} [الفجر: 27 - 28]. ومن إسلامه صلب كامل لا تزعزعه الرجال. ولا تقلقله الجبال، ومن عقد عزيمة صبره محكم لا تحله المحن والشدائد والمخاوف. قلت: وملاك ذلك أمران: الزهد في الحياة والثناء. فما ضعف من ضعف، وتأخر من تأخر إلا بحبه للحياة والبقاء، وثناء الناس عليه، ونفرته من ذمهم له. فإذا زهد في هذين الشيئين، تأخرت عنه العوارض كلها. وانغمس حينئذ في العساكر. وملاك هذين الشيئين بشيئين: صحة اليقين. وقوة المحبة. وملاك هذين بشيئين أيضا: بصدق اللجأ والطلب، والتصدي للأسباب الموصلة إليهما. فإلى هاهنا تنتهي معرفة الخلق وقدرتهم. والتوفيق بعد بيد من أزمة الأمور كلها بيده. {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما - يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما} [الإنسان: 30 - 31] .اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني