الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدراسة في بلاد الكفر لا تجوز إلا عند الحاجة, كأن يكون التخصص المراد دراسته لا يوجد في بلاد المسلمين, وكان عند الدارس من العلم ما يدفع به الشبهات, ومن الاستقامة ما يدفع بها الشهوات، فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: فلا يجوز لك السفر إلى الدول الكافرة للدراسة بها، إلا فيما لا يتيسر لك دراسته على المسلمين في البلاد الإسلامية من العلوم الدنيوية كالطب, والهندسة, ونحوهما، ولم يتيسر استقدام من يضطر إليه من المتخصصين الأمناء في العلوم الكونية إلى الدولة الإسلامية للقيام بتدريسها للطلاب المسلمين، وكانت أمتك مضطرة إلى هذه العلوم، لتكتفي بأبنائها بعد التخرج في القيام بما تحتاج إليه عن استقدام كفار يقومون به، وكنت في نفسك محصنًا في دينك بالثقافة الإسلامية، لا يخشى عليك من الفتن أيام دراستك في بلاد الكفار، وإقامتك مدة الدراسة بين أظهرهم، فيجوز لك حينئذ أن تسافر للدراسة في بلاد الكفار. اهـ.
وقال الشيخ ابن باز: السفر إلى بلادهم مع قلة العلم وقلة البصيرة فيه ضرر كبير وخطر عظيم، فإن الشرك بالله بينهم ظاهر والمعاصي بينهم ظاهرة من الزنا وشرب الخمور وغير ذلك، فالسفر إلى بلادهم ولا سيما مع قلة العلم وقلة الرقيب من أعظم الأسباب في الوقوع في الباطل واتباع ما يدعو إليه الشيطان من الشبهات الباطلة والشهوات المحرمة، وقد سافر كثير إليهم من أجل الدراسة أو السياحة أو العمل أو غير ذلك فرجعوا بشر عظيم وانحراف شديد، وربما رجع بعضهم بغير دينه إلا من سلمه الله ورحمه، وهم القليل، فالواجب على المسلمين أن يكون عندهم نفور من أعداء الله وحذر من مكائدهم أينما كانوا، وأن لا يقربوهم إلا دعاة إلى الحق وموجهين إلى الخير وناصحين حتى يتميز هؤلاء عن هؤلاء. اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم السفر إلى بلاد الكفار؟ فقال: السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.
الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
الشرط الثالث: أن يكون محتاجا إلى ذلك. اهـ.
وبناء عليه، فإن كنت واثقا من قدرتك على التمسك بدينك فلا بأس أن تذهب إليها، واحرص على أن تسافر بزوجتك، واحرص كذلك على الاتصال بالعلماء في بلاد الإسلام واسألهم عن أحكام دينك واحرص على استماع دروسهم وحاول أن تخدم الدين هنالك بما تستطيع من تعليم المحتاجين وإرشادهم وبيان العقيدة الصحيحة لهم.
وأمّا عن أمرك للناس ونهيك لهم سابقا: فلا شكّ أنّ أمر الناس بالمعروف مع ترك فعله ونهيهم عن المنكر مع فعله، خطأ عظيم، فعن أسامة بن زيد أنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ. رواه مسلم.
فالواجب على المسلم أن يوافق قوله فعله، لكن ليس معنى هذا أن يترك الإنسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لوقوعه في مخالفة شرعية، وإنما المطلوب أن يجتهد الإنسان في إصلاح نفسه ويداوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصدق وإخلاص، يقول القرطبي في قوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ {البقرة: 44} اعلم وفقك الله تعالى أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر.
وقال السعدي: ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة، وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه، قال تعالى: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ـ وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه. اهـ.
وقال ابن كثير رحمه الله: والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله، واستدل لهذا القول بعدة أدلة منها: قول سعيد بن جبير رحمه الله: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر ـ قال مالك رحمه الله: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء؟. اهـ.
ثم إنه في حال إباحة سفرك لهذه البلاد لا تعتبر ممن خالف قوله فعله، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 31862، 34751، 36009، 2007.
والله أعلم.