السؤال
حلفت أن لا أقوم بفعل شيء معين إلى يوم موتي كأن أقول: قسما بالله لن أفعل هذا الشيء إلى أن أموت، وقلت في قرارة نفسي إنني كلما خالفت هذا الفعل فإن اليمين يسري إلى يوم آخرتي، في وقت آخر، أو في وقت الحلف، فخالفت االيمين وفعلت هذا الفعل عدة مرات قبل أن أكفر عن مخالفة الفعلة الأولى، فكم كفارة تجب علي، مع العلم أن الفعل من نفس النوع؟ وهل يبطل اليمين بعد الكفارة؟ أم يبقى إلي يوم موتي؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي للمسلم أن يكثر من الحلف، فإن كثرة الحلف مذمومة شرعًا، قال الله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ {البقرة:224}. وقال تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}.
وأما عن حلفك فالراجح الذي به الفتوى عندنا أن الأيمان المكررة على شيء واحد تتكرر فيها الكفارة إذا كان لفظ اليمين يقتضي التكرار كقوله: كلما ـ أو نوى الحالف بيمينه تكرر الكفارة بتكرر فعل المحلوف على تركه، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 136912، ورقم: 137841.
ولذلك، فإن عليك الكفارة بعدد الحنث في اليمين وفعل ما حلفت عنه، ولا تجزئك كفارة واحدة عن الجميع في هذه الحالة لأنك نويت تكرر الكفارة واستمرارها بتكرر الفعل، كما يفيده قولك: وقلت في قرارة نفسي إنني كلما خالفت هذا الفعل فإن اليمين سار... فقد جاء في مواهب الجليل شرح مختصر خليل المالكي عند قوله: وتكررت إن قصد تكرر الحنث أو كان العرف ـ يعني أن من حلف ألا يفعل فعلا ففعله فإنما يحنث بفعله مرة واحدة ثم لا كفارة عليه فيما بعد ذلك، إلا أن يكون قصد تكرر الحنث كلما فعله، فيتكرر عليه الحنث، قال ابن عرفة: وحنث اليمين يسقطها، ولذا لا يتعدد ما يوجبه الحنث بتكرر موجبه إلا بلفظ أو نية أو عرف.
ولذلك، فإن هذه اليمين لا تبطل بالحنث فيها والكفارة عنها، بل تظل سارية كما نويتها.
وأما قولك: في وقت آخر أو في وقت الحلف ـ فإن كان قصدك أنك تشك في وقت النية هل كانت مع اليمين أو منفصلة عنه فعليك أن تتحرى وتعمل بمقتضى ما تبين لك، فإن تبين لك أنها كانت في وقت آخر غير وقت الحلف، فإنه لا تأثير لها لانفصالها عن وقت الحلف، وفي هذه الحالة تنحل يمينك وتسقط بالحنث الأول وتلزم به كفارة واحدة، وإن تبين لك أنها كانت وقت الحلف، فإن جوابه على ما ذكرنا من استمرار اليمين وتكرر الكفارة بتكرر الفعل، وإذا لم يتبين لك شيء فإنه لا اعتبار لهذا الشك، ولا يلزم منه شيء، لأن الأصل براءة الذمة، واليقين لا يزول بالشك، جاء في قواعد الأحكام لعز الدين ابن عبد السلام: وَلَوْ شَكَّ هَلْ لَزِمَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ عَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ شَكَّ فِي عِتْقِ أَمَتِهِ، أَوْ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ، أَوْ شَكَّ فِي نَذْرٍ، أَوْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ.
والله أعلم.