السؤال
قبل سنة تقريبًا أبديت رأيي في تفسير بعض آيات القرآن الكريم, وبعدها سمعت من أحد الأقارب أن ذلك حرام, وذكر أن هناك حديثًا يفيد معناه: أن من فعل مثل ذلك فليتبوأ مقعده من النار, فأصابني القنوط, وظننت ألّا توبة بعد ذلك, فأصابني الأرق والاكتئاب, وسألت عن ذلك الأمر فلم يعطني أحد الجواب المقنع؛ حتى قرأت بعد ثلاثة أشهر تقريبًا أن "فليتبوأ" لا تجزم بدخول النار بعد تلك الفترة, ولمدة سنة وحالتي النفسية سيئة, بالرغم من الالتزام بالصلاة, وكثرة قراءة القرآن، والرقية، مع وجود بعض الذنوب التي أتبعتها بتوبة - إن شاء الله - وأنا أشعر بضيق مستمر, فما الذي يمكن أن أفعله لكي أعود إلى الحالة الطبيعية, ويطمئن قلبي بذكر ربي - إن شاء الله -؟ وأنا أقرأ كتاب الداء والدواء لابن القيم, فما هي المصادر الأخرى النافعة؟ أرجو النصيحة, مع الدعاء - أثابكم الله -.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الحديث: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار. رواه أحمد, والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وصححه أيضًا السيوطي, وحسنه البغوي، ومن أهل العلم من ضعفه كالألباني, وأحمد شاكر.
قال المناوي: (فليتبوأ مقعده من النار) أي: فليتخذ لنفسه نزلًا فيها, حيث نصب نفسه صاحب وحي يقول ما شاء.
وفي تحفة الأحوذي: أي: ليهيىء مكانه من النار, قيل: الأمر للتهديد والوعيد, وقيل: الأمر بمعنى الخبر.
وعمومًا: فعلى تقدير صحة الحديث فهو كغيره من نصوص الوعيد، والتي يتوقف لحوق الوعيد فيها على وجود المقتضي, وانتفاء الموانع، وقد يتخلف الوعيد لبعض الأسباب، من توبة صادقة, أو حسنات ماحية, أو مصائب مكفرة, أو شفاعة مثبتة، أو غير ذلك من الأسباب, وانظر الفتوى رقم: 51247.
واعلم أنه مهما عظم ذنبك، فإن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء، وهو تعالى يقبل توبة العبد إذا صدقت توبته، ويغفر ذنبه مهما كان عظيمًا, قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}
والتوبة تجبُّ ما قبلها، قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
فالتوبة مانعة من لحوق الوعيد, كما سبق في الفتوى رقم: 35478، والفتوى رقم: 188067. وانظر علامات قبول التوبة في الفتوى رقم: 5450.
واعلم أن انزعاج القلب من الذنب إذا دعا إلى حسن العمل, والفرار من المعاصي, وحمل على صدق اللجوء إلى الله, طمعًا في رحمته, وخوفًا من عقابه, فإنه يكون محمودًا نافعًا.
أما الشعور بالإحباط واليأس من غفران الذنب: فإنما هو من وساوس الشيطان, التي يكيد بها للعبد؛ ليظل قانطًا من رحمة الله, ويصده عن السير إليه، فعليك أن تعرض عن هذا، وأن تسلك الطريق إلى الله جل وعلا, محسنًا به الظن, وانظر الفتويين رقم: 205408، ورقم: 96876 وما أحيل عليه فيها
ومن الكتب النافعة في صلاح القلب كتب الرقاق عمومًا، ومنها: إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان، وطريق الهجرتين، ومدارج السالكين، وثلاثتهم لابن القيم - رحمه الله تعالى -. وانظر الفتوى رقم: 128330.
والله أعلم.