السؤال
أنا شاب أدرس في الولايات المتحدة الأمريكية ـ ولله الحمد ـ ملتزم بالعبادة من الصلاة والصوم، ولدي سؤال دائما يشغلني: فأقول إن الله بالتأكيد ينظر إلينا نحن عباده الموحدين وإلى ما نصنع في السراء والضراء، ويهمه أن يمتحن صبرنا عند البلية، وأن يرى شكرنا عند النعمة، وهذا من حقه علينا، وسؤالي هو: هل الله عز وجل يهمه هؤلاء القوم ـ أقصد الكفار وأقصد هنا هل يهمه أحدهم إذا ما نجح في حياته أو إذا ربح المال أو أصبح عالما في مجال ما؟ فأنتم تعلمون أنهم قوم لا يعبدون الله ولا يعرفون حقه، وهل الله يهتم بردود أفعالهم سواء كان ذلك في رخاء أو شدة؟ وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل غني عن العالمين، مؤمنهم وكافرهم، لا ينفعه شكر الشاكرين ولا صبر الصابرين كما لا يضره كفر الكافرين ولا جزع الجازعين، قال جل وعلا: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ {الفرقان:77}.
أي: لا يبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه، فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلا.... وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم، إذ لم يخلقهم مؤمنين، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين. تفسير ابن كثير.
وقال تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا {النساء:131}.
وفي الحديث القدسي: يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. رواه مسلم.
فالله يحصي جميع ما يصدر من العباد مؤمنهم وكافرهم من خير وشر، فأما المؤمنون فيتفضل الله جل وعلا بقبول أعمالهم الصالحة ما دامت خالصة لوجهه، وأما الكفار فلا يتقبل الله منهم شيئا، قال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا {الكهف:105}. وقال سبحانه: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا {الفرقان:23}.
ومن عدل الله تعالى أن الكافر إذا عمل حسنة أطعمه بها في الدنيا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يُعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم.
وإذا عمل الكفار السيئات فإنها تزيد في إثمهم وعذابهم، قال تعالى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ {آل عمران:178}.
وكما أن الجنة درجات، يتفاضل المؤمنون فيها، فمن كثر خيره، ازداد نعيمه وارتفاعه في درجاتها، فكذلك النار دركات يتفاوت الفجار فيها، فمن كثر شره ازداد عذابه وهويه في دركاتها، وعلى ذلك فنظر الله إلى أعمال العباد يعم مؤمنهم وكافرهم، وكذلك الابتلاء بالسراء والضراء يعم الصنفين، فيثاب المؤمنون على شكرهم وصبرهم، وأما الكفار فلا يتصور منهم وقوع الشكر والصبر على وجه صحيح إلا إذا آمنوا إيمانا صحيحا، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير ـ وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ـ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.
قال ابن عثيمين رحمه الله: وكل إنسان فإنه في قضاء الله وقدره بين أمرين: إما سراء، وإما ضراء، والناس في هذه الإصابة ينقسمون إلى قسمين: مؤمن وغير مؤمن، فالمؤمن على كل حال ما قدر الله له فهو خير له إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله وانتظر الفرج من الله واحتسب الأجر على الله، فكان خيراً له فنال بهذا أجر الصابرين، وإن أصابته سراء من نعمة دينية كالعلم والعمل الصالح ونعمة دنيوية كالمال والبنين والأهل شكر الله، وذلك بالقيام بطاعة الله عز وجل، فيشكر الله فيكون خيراً له، ويكون عليه نعمتان نعمة الدين ونعمة الدنيا، نعمة الدنيا بالسراء ونعمة الدين بالشكر، هذه حال المؤمن.
وأما الكافر: فهو على شر ـ والعياذ بالله ـ إن أصابته الضراء لم يصبر، بل يضجر ودعا بالويل والثبور وسب الدهر وسب الزمن، بل وسب الله عز وجل، وإن أصابته سراء لم يشكر الله. اهـ
والمقصود أن ابتلاء الله عباده بالسراء والضراء ونظره إلى ما يصدر منهم في الحالين يشمل كلا من المؤمنين والكافرين، وكذلك إحصاؤه الأعمال، ثم ما يترتب على ذلك من الجزاء يوم القيامة، فهذا يعم المؤمن والكافر، ثم هو سبحانه من يرزق هؤلاء ويعطيهم، وقد يزيد في عطائهم استدراجا وامتحانا، كما قال: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ {الأعراف:182}.
والله أعلم.