السؤال
كنت أعاني من الوسوسة والآن خفت علي، كنت أشك في وقوعي في الكفر ـ سواء بشعوري بعدم الإخلاص أو شكي بأن عملي أو قولي يعد استهزاء بالدين، أو الشك في بعض الأمور الرئيسية في الدين كوجود الخالق ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعدم التسليم وإعطاء العقل أكبر من حجمه ـ ولا أدري هل هذا الشك أوصلني إلى درجة الكفر أم لا؟ أرجو إفادتي بضابط الشك المخرج من الملة أو الاعتراض على القدر ومتى أكون غير راض بالقضاء والقدر؟ أو الرجم بالغيب وعدم التعليق بالمشيئة أو كره بعض الأحكام الشرعية؟ ولم أكن أجزم بذلك، ومع ذلك كنت أتشهد احتياطا دون أن أغتسل، فما حكم صلاتي دون غسل بعد أن نطقت بالشهادتين؟ ملاحظة: أرسلت بعض الأسئلة من قبل فلم يرد علي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نسأل الله تعالى أولا أن يذهب عنك هذه الوساوس، وأن يفرج كربك إنه سبحانه سميع مجيب، ثم إننا ننصحك بأن تحمد ربك على ما ذكرت من خفتها عليك، وأن تكثر من دعاء ربك أن يصرفها عنك صرفا كليا، فهو القائل سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}.
واعلم أنك ما دمت تخاف وتنفر من هذه الوساوس الشيطانية، فذلك علامة على صحة الاعتقاد، فإن الكفر لا يحصل بالوسوسة ما دام صاحبها كارهاً لهذه الوساوس، ولا يحتاج الموسوس للتشهد احتياطا، وأما صلاته فهي صحيحة، لأن الكفر لم يحصل، مع أن كثيرا من أهل العلم لا يشترطون الغسل في صحة توبة المرتد إلا إن كان الشخص قد ارتكب حال كفره ما يوجب الغسل، وانظر الفتوى رقم: 147945.
والواجب عليك الإعراض عن تلك الوساوس وعدم الالتفات إليها جملة وتفصيلاً، ولا تسترسل مع الشيطان في البحث عن ضوابط الشك وغيره، فإن البحث في ذلك لا يزيدك إلا مشاكل، فابتعد عن التفكير في ذلك حتى تتعالج نهائيا، فإذا تخلصت من الوسوسة فتعلم هذه الأمور سهل ـ إن شاء الله تعالى ـ وثق أن الردة لا تحصل ما دمت تنفر من هذه الوساوس، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به، فضلاً عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الفتاوى: والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره، كما قال الصحابة: يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الإيمان ـ وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ـ أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه، فهذا أعظم الجهاد، والصريح الخالص كاللبن الصريح، وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس. اهـ.
وننصحك بعرض نفسك على طبيب نفسي مع الانشغال بالأمور النافعة، ومن أعظم ما يعينك على ذلك الاستعانة بالله وصدق اللجوء إليه وكثرة الدعاء، وراجع في وسائل التخلص من الوسوسة الفتاوى التالية أرقامها: 39653، 103404، 97944، 3086، 51601.
والله أعلم.