السؤال
هنا في مصر الشيء المعقد نقول عليه حنبلي، لأن الحنبلية هي أكثر المذاهب صعوبة، مثل أن نقول لقد وقعت لي اليوم مشكلة حنبلية، وأيضا نقولها على المتشدد في شيء كمن يهتم بالمواعيد لدرجة المقاطعة علي تركها، نقول إنه حنبلي في هذا الأمر، فهل يكفر قائل ذلك؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأكثر أسئلة السائل تدور حول هذه المسألة ونحوها من مسائل الحكم بالكفر على النفس أو على الآخرين!! ولعل السائل مبتلى بالوسوسة في هذا الباب، ومن كان كذلك فعليه أن لا يسترسل مع هذه الوساوس، بل يعرض عنها ويشغل نفسه بغيرها، حتى لا يقع في الحرج والمشقة.
وأما بخصوص هذا السؤال، فجوابه: أن قائل ذلك لا يكفر، وليس ذلك استهزاء بالإمام أحمد ولا بمذهبه، وإنما هو تعبير شائع بسبب فهم خاطئ للمذهب الحنبلي، يقصد به الوصف بالتشدد مقارنة بغيره، وأما قول السائل: لأن الحنبلية هي أكثر المذاهب صعوبة ـ فهذا قول من لا يعرف المذاهب الفقهية، فقد تميز مذهب الحنابلة بالتيسير في كثير من الجوانب، هذا مع سعة المذهب وكثرة الروايات فيه، قال الشيخ بكر أبوزيد في كتابه المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد في مبحث: مزايا الفقه الحنبلي، تحت مزية: التيسير في الأحكام من العبادات والمعاملات والشروط والنكاح وغيرها: تميز مذهب الإمام أَحمد في أَبواب الطهارة ـ بالقول بطهارة بول وروث مأكول اللحم، ولولا هذا لضاق الأَمر، وكثر الحرج، لاسيما على الدائس، والحالب.
ـ وبالقول بالمسح على الجوربين، والجورب ـ الشراب ـ لباس القدمين، لعامة أهل المصر، على مدار العام.
ـ تميز مذهب الإمام أَحمد بأَن الأَصل في العقود والشروط هو الصحة، وهذا يفتح حرية المتعاقدين في إِبرام العقود والشروط، بناء على هذا الأَصل، وتستمر في التوسع ما لم تصادم نَصًّا.
وهذا تمسك ونزوع إلى الأَصل الشرعي: التيسير، ورفع الحرج، ومن مذهبه: صحة البيع بالمعاطاة ـ وتميز مذهبه في: أبواب الفرقة من النكاح بأن الخُلع فسخ لا طلاق، لذا، فلا ينقص به عدد الطلاق، وفي هذا تضييق لدائرة الفِراق وأمام هذا: أن مذهبه: الحكم بالفسخ، لعدم النفقة والوطء، وفي هذا إِبعاد لمضارة النساء.
ـ وفي الوقف: جواز وقف الإنسان على نفسه مدة حياته، في إحدى الروايتين عنه، وفي هذا توسيع لدائرة عمل البر والخير، ومن نظر في كتب المفردات في المذهب، رأى فيها من التيسير ورفع الحرج مما يلتقي مع مقاصد الشريعة، لا يناهض نصوصها الخير الكثير، وفي هذا دفع للمهاترة العصرية نحو المذاهب، بنسبتها إلى ركوب الصَّعْب والذَّلول في أصولها، وفروعها، والعدول عن التيسير ورفع الحرج. اهـ.
والله أعلم.