الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يزول إثم من ابتدأ عمله رياء، وينال ثوابه بعد أن أخلص النية

السؤال

ما حكم من بدأ العمل رياء ثم تدارك نيته؟ وهل يبطل عمله؟ وعلى سبيل المثال: رجل فتح حسابا دعويا رياء، ثم بعد فترة استغفر وتاب، فهل يحذف حسابه استناداً على أن ما بني على باطل فهو باطل؟ أو يكفيه أن يستغفر ويتوب ويخلص العمل لله ويستمر في ما قد بدأ؟
أعرف رجلاً يغرد أحياناً ثم ما يلبث أن يحذفها! ثم يحاول أن يجاهد نفسه ويخلصها لله فيعيد نفس التغريدة التي حذفها، مع محاولة تصحيح النية حتى إنه يترك كماً كبيراً من التغريدات المفيدة خوفاً من الرياء!!! فما توجيه فضيلتكم له؟ وهو نفسه يدرس العلم الشرعي بإحدى الجامعات ويخشى أن يحبط عمله، لأنه يفكر في المنصب الذي سيتولاه بعد التخرج كثيراً، ويحرص كثيراً على الدرجات والشهادة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أولا أنه لا ينبغي لمسلم أن يترك الطاعة خوف الرياء، فهذا استدراج من الشيطان للعبد ليصده بذلك عن طاعة الله وعبادته، بل عليه أن يجتهد في فعل الطاعة، ويجتهد في تحصيل الإخلاص فيها لله تعالى.

وأما ما سألت عنه من الحسابات الدعوية والتغريدات ونحوها: فإنها أعمال لا ينبني آخرها على أولها، فإذا طرأت للعبد نية الرياء فيها فعليه أن يصحح نيته ويمضي في طاعته، وإذا تاب واستغفر زال عنه إثم ما طرأ عليه من الرياء، قال ابن رجب: وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ ـ يعني في حبوط العمل بالرياء ـ إِنَّمَا هُوَ فِي عَمَلٍ يَرْتَبِطُ آخِرُهُ بِأَوَّلِهِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، فَأَمَّا مَا لَا ارْتِبَاطَ فِيهِ كَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ وَنَشْرِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِنِيَّةِ الرِّيَاءِ الطَّارِئَةِ عَلَيْهِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ ـ وقال أبو محمد ابن عبد السلام رحمه الله: والأعمال ضَرْبَان: أَحدهمَا: مُتَعَدد حكما وَصُورَة؛ كَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالصَّدَقَة المترتبة، فَهَذَا إِذا افتتحه على الرِّيَاء ثمَّ أخْلص صَحَّ مَا اقْترن بِهِ الْإِخْلَاص وَبَطل مَا اقْترن بِهِ الرِّيَاء، لِأَن ذَلِك بِمَثَابَة عبادات راءى فِي بَعضهنَّ وأخلص فِي بَعضهنّ. إلخ.

وبه تعلم أن الذي ينبغي لهذا الشخص أن يجتهد في تحصيل الإخلاص، وأن يستمر في الدعوة إلى الله ولا يغلق حسابه الدعوي المذكور، وإن فرض أنه عمله رياء ابتداءً، كما عليه أن يطرح الوساوس، فلا يترك طاعة خوف الرياء، وليحرص على التفوق في دراسته وتحصيل درجات مرتفعة، فهذا لا حرج فيه، وحبذا لو صحبته نية طيبة من إرادة نفع الناس بالعلم ونشره فيهم والذب عن الدين وما إلى ذلك، هدانا الله وسائر إخواننا لأرشد أمورنا ورزقنا إخلاصا وصدقا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني