السؤال
لي ولدان، وثلاث بنات، واشتريت قطعة أرض، وقمت ببنائها، وخصصت الدور الأرضي للضيوف، والمناسبات المختلفة، ومساحته ليست بكامل مساحة البيت، وأقمت فيه أنا وزوجتي، وكانت جميع بناتي قد تزوجن، وأقامت كل منهن في بيت زوجها، وقد بنيت الأدوار من الثاني إلى الرابع، وأنهيت شقتي الدور الثاني والثالث، وزوجت فيهما ولديّ، وبقيت شقة الدور الرابع دون تشطيب، ولي الحق قانونًا في بناء شقة في الدور الخامس، وأفكر أن أوصي أولادي بأنه في حال وفاتي قبل بناء شقة في الدور الخامس أن يتم بناء هذه الشقة الأخيرة من أموال الميراث قبل تقسيم الأموال؛ لتكون الشقتان في الرابع والخامس من نصيب بنتين، على أن تعطى الشقة التي أقيم فيها مع والدتهم بعد وفاتنا للبنت الثالثة، علمًا أن الأرض تقسم شرعًا للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك أي عائد نقدي من إيجار المحلات أو البدروم، فهل ما أقترح القيام به جائز شرعًا أم لا؟ وهل يلزم تشطيب الشقتين للبنتين لتكونا مثل شقيقيهما أم لا؟ أفيدوني - أفادكم الله -.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على الوالد أن يعدل بين أولاده في العطاء، ولا يجوز له أن يخص بعضهم دون مسوغ شرعي، جاء في الإقناع وشرحه: (ويجب على الأب، و) على (الأم، وعلى غيرهما) من سائر الأقارب (التعديل بين من يرث بقرابة: من ولد، وغيره) كأب، وأم، وأخ، وابنه، وعم، وابنه (في عطيتهم) لحديث جابر قال: «قالت امرأة بشير لبشير: أعط ابني غلامًا، وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي، قال: له إخوة؟ قال: نعم، قال: كلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا، قال: فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على حق» رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير، وقال فيه: «لا تشهدني على جور، إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم». وفي لفظ لمسلم: «اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم، فرجع أبي في تلك الصدقة» وللبخاري مثله، لكن ذكره بلفظ العطية، فأمر بالعدل بينهم، وسمى تخصيص أحدهم دون الباقين جورًا، والجور حرام، فدل على أن أمره بالعدل للوجوب، وقيس على الأولاد باقي الأقارب بجامع القرابة، وخرج منه الزوجات، والموالي، فلا يجب التعديل بينهم في الهبة. انتهى.
لكن قد حصل الخلاف بين العلماء في كيفية العدل بين الذكور والإناث في العطية، قال ابن قدامة: فالتسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث، فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وبهذا قال عطاء، وشريح، وإسحاق، ومحمد بن الحسن. قال شريح لرجل قسم ماله بين ولده: ارددهم إلى سهام الله تعالى وفرائضه. وقال عطاء: ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى. وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن المبارك: تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد: " سو بينهم ". وعلل ذلك بقوله: «أيسرك أن يستووا في برك؟ قال: نعم، قال: فسو بينهم». والبنت كالابن في استحقاق برها، وكذلك في عطيتها، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مؤثرًا لأحد لآثرت النساء على الرجال». رواه سعيد في سننه. ولأنها عطية في الحياة، فاستوى فيها الذكر والأنثى، كالنفقة، والكسوة. ولنا أن الله تعالى قسم بينهم، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وأولى ما اقتدى بقسمة الله، ولأن العطية في الحياة أحد حالي العطية، فيجعل للذكر منها مثل حظ الأنثيين، كحالة الموت، يعني الميراث، يحققه أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت، فينبغي أن تكون على حسبه، كما أن معجل الزكاة قبل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها، وكذلك الكفارات المعجلة، ولأن الذكر أحوج من الأنثى، من قبل أنهما إذا تزوجا جميعًا فالصداق، والنفقة، ونفقة الأولاد على الذكر، والأنثى لها ذلك، فكان أولى بالتفضيل؛ لزيادة حاجته، وقد قسم الله تعالى الميراث، ففضل الذكر مقرونًا بهذا المعنى، فتعلل به، ويتعدى ذلك إلى العطية في الحياة، وحديث بشير قضية في عين، وحكاية حال لا عموم لها، وإنما ثبت حكمها فيما ماثلها، ولا نعلم حال أولاد بشير، هل كان فيهم أنثى أو لا؟ ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أنه ليس له إلا ولد ذكر، ثم تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله تعالى، ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء، لا في صفته، فإن القسمة لا تقتضي التسوية من كل وجه، وكذلك الحديث الآخر، ودليل ذلك قول عطاء: ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى. وهذا خبر عن جميعهم، على أن الصحيح من خبر ابن عباس أنه مرسل .اهـ.
فعلى قول الجمهور: فإن العدل يكون بأن تعطي البنات شققًا مثل الذكور، وليتحقق العدل كذلك لا بد أن تكون الشقق قد تم تشطيبها مثل شقق الذكور.
ولا يصح أن توصي للبنات بالشقق لتكون نصيبهم من الميراث، إلا بإذن بقية الورثة؛ لما أخرجه أحمد، والترمذي عن عمرو بن خارجة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ولا وصية لوارث. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال ابن هبيرة: واتفقوا على أنه لا وصية لوارث، إلا أن يجيز ذلك الورثة. اهـ
قال ابن عثيمين: إذا أوصى الميت للورثة كل بقدر ميراثه مشاعًا: فلا بأس، يعني: مثلًا له ثلاثة أولاد، قال: أوصيت لابني الأكبر بالثلث، ولابني الأوسط بالثلث، ولابني الأصغر بالثلث، هذا ما فيه بأس، وإن أوصى بشيء معين قال: لابني - مثلاً - هذا البيت الأكبر، وللأوسط هذا البيت، وللصغير هذا البيت فالوصية لا تصح إلا برضاهم؛ لأنه ليس له أن يعين شيئًا معينًا للورثة (لا وصية لوارث) وإن أوصى لأحدهم دون الآخر فهذا أشد وهو حرام أيضًا. اهـ.
وقال: فإذا كان للإنسان ثلاثة أبناء، وزوج اثنين منهم في حياته، وبقي الصغير لم يصل إلى حد الزواج، ثم إن هذا الأب أوصى للصغير بمقدار المهر الذي أعطاه أخويه، فإن ذلك حرام، والوصية باطلة، فإذا مات فإن هذه الوصية ترد في التركة، إلا أن يسمح عنه بقية الورثة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث) .اهـ
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 6242.
والله أعلم.