السؤال
قرأت في كتاب توضيح أبي الحسن في فقه الإمام مالك: "باب البيوع الفاسدة. ولا يجوز بيع ما في ظهور الفحول؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع ضراب الجمل) وجاز إن كان النزو مضبوطًا بمرات، أو بزمان مع الكراهة، وأخذ الأجر فيه ليس من مكارم الأخلاق" فما المراد بهذه العبارة "وجاز إن كان النزو مضبوطًا بمرات، أو بزمان مع الكراهة"؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأصل هذه المسألة تتعلق بشروط البيع، وأن المبيع لا بد أن يكون موجودًا حين العقد؛ أي غير معدوم، فبيع المعدوم يعتبر باطلًا؛ لأن فيه جهالة.
ومن أمثلة بيع المعدوم ما ورد في السؤال من بيع ما في ظهور الفحول، وهو ضرابها، أو ماؤها، ويكون ذلك باستئجار الفحول على إحبال الأنثى، فتقع الجهالة في المعقود عليه؛ لأن الدابة قد لا تحبل، أو تموت قبل علم الحبل.
ولكن المالكية قيدوا جواز إجارة الفحل للضراب - وهو النزو - بما إذا كان الاستئجار لزمان معين، كيوم، أو يومين، أو لمرات معينة، كمرتين، أو ثلاث، ولا يجوز استئجار الفحل للضراب إلى حمل الأنثى، بل لا بد من تقييده بزمان، أو مرات، فإذا انقضى الزمان المسمى بين العاقدين، أو انقضى عدد المرات المسماة انتهى العقد، فإن حملت الأنثى قبل تمام الزمان أو المرات انفسخت الإجارة، وعلى صاحب الأنثى من الأجرة بحسب ما مضى من الزمان، أو حصل من المرات، فإن كان العقد على خمسة أيام بمائة دينار - مثلًا - فحصل الحمل في اليوم الثالث كان على صاحب الأنثى من الأجرة ستون دينارًا، وعلامة الحمل إعراض الأنثى عن الفحل.
وقد شرح هذا الكلام العدوي في حاشيته على شرح كفاية الطالب الرباني، وأوضحه عند قول المؤلف: و) كذا (لا) يجوز (بيع ما في ظهور الإبل) لما صح «أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ضراب الجمل».
ج: إن كان النزو مضبوطًا بمرات، أو زمان جاز، وروى ابن حبيب كراهته للنهي عنه، وإن أخذ الأجر فيه ليس من مكارم الأخلاق، فإن فعل لم يفسخ، ولم يرد.
فقال - رحمه الله -: [قوله: النزو] مصدر بفتح النون على وزن قتل، قال في المصباح: نزا الفحل نزوًا من باب قتل، ونزوانا وثب اهـ.
[قوله: بمرات، أو زمان جاز] أي مرة، أو مرتين، أو ثلاث مرات، أو يوم، أو يومين، وعطف بأو لإفادة عدم الجمع بينهما، كما في الواضحة، إن سمى يومًا أو شهرًا لم يجز أن يسمي نزوات، فإن حصل الحمل انفسخت الإجارة في الصورتين، وعليه بحساب ما انتفع [قوله: كراهته] ظاهر بهرام أي: مطلقًا، كان النزو مضبوطًا بما ذكر أو لا، وظاهره أن الكراهة للتنزيه، ومفاد الحديث الحرمة. انتهى.
والنزو: هو وثب الذكر من الدواب على الأنثى؛ أي وطؤها.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 67462.
والله أعلم.