السؤال
عفوا كان في سؤالي بعض الأخطاء؛ لذلك أعيد نشره:
أورد بعض الدعاة حديثا قدسيا في مقطع يوتيوب له، يقول: يأتي الرجل ( يقول اللهم اجعلني غنياً) فيقول الله تبارك وتعالى لملائكته: اصرفوا عن عبدي هذا الغنى؛ فإني إن أغنيته طغى.
هل هذا الحديث ضعيف؟ وما حكم نشر هذا المقطع إن كان كذلك. بارك الله فيكم؟
وهذا هو المقطع إن كان يفيد في ذلك:
http://safeshare.tv/w/EglYQYRtrr
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم حديثا بهذا اللفظ، وقد أسند ابن الجوزي في (العلل المتناهية) من حديث عمر مرفوعا: أتاني جبريل فقال: يا محمد! ربك يقرأ عليك السلام ويقول: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى، ولو أفقرته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالقلة، ولو أغنيته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم، ولو أصححته لكفر، وإن من عبادي من لا يصح إيمانه إلا بالصحة، ولو أسقمته لكفر.
ثم من حديث أنس بأطول منه، وفيه: إن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، فلو بسطت له لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا السقم، ولو أصححته لأفسده ذلك، إني أدبر عبادي بقلوبهم، إني عليم خبير. ثم قال: هذا حديث لا يصح. اهـ.
وضعفه كذلك ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) والألباني في (السلسلة الضعيفة).
وحديث عمر عزاه السيوطي للخطيب البغدادي، وعزى حديث أنس لابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء، والحكيم، وابن مردويه، وأبي نعيم في الحلية، والبيهقي في الأسماء، وابن عساكر . وأورد رواية أخرى بمعناها من حديث ابن عباس مرفوعا، بلفظ: ربما سألني وليي المؤمن الغنى، فأصرفه إلى الفقر، ولو صرفته إلى الغنى لكان شرا له، وربما سألني وليي المؤمن الفقر، فأصرفه إلى الغنى، ولو صرفته إلى الفقر لكان شرا له. وعزاه للطبراني.
وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد): فيه جماعة لم أعرفهم. اهـ.
وهذا المعنى ذكره غير واحد من أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): قد يكون الفقر لبعض الناس أنفع من الغنى، والغنى أنفع لآخرين، كما تكون الصحة لبعضهم أنفع كما، في الحديث الذي رواه البغوي وغيره ... اهـ. وذكر حديث أنس السابق. وقد رواه البغوي في شرح السنة من نفس الطريق التي أعلها ابن الجوزي وضعفها ابن رجب والألباني.
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى/27] : أي، ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم، وهو أعلم بذلك، فيغني من يستحق الغنى، ويفقر من يستحق الفقر. كما جاء في الحديث المروي: "إن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه. اهـ.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 148703.
والخلاصة أن الحديث محل السؤال، لا نعلمه يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي معناه بأسانيد ضعيفة.
وأما نشر المقطع الذي يحتوي على معنى هذا الأثر القدسي وأمثاله من الأحاديث الضعيفة، فلا نرى فيه حرجا إذا لم يجزم بنسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، بل ذكره قائله بصيغة التمريض، وجرت الإشارة إلى عدم صحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، أو ذكِر معزوَّاً إلى مصدره من كتب أهل العلم، طالما أنه لا يؤسس لحكم شرعي، ولا ينبني عليها اعتقاد فاسد؛ وراجعي الفتوى رقم: 226594.
وهنا ننبه على أن العمل بالحديث الضعيف لا بأس به في فضائل الأعمال، بشروط سبق ذكرها في الفتويين: 19826، 41058.
والله أعلم.