الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صادق النية يؤجر عليها إن لم يتمكن من العمل

السؤال

إذا أراد شخص أن يقوم بعمل طاعة، ولكنه لم يقم بها، فكيف أعرف هل أنا ممن نوى وكتب له أجرها، أو ممن قال الله تعالى فيهم: "كره الله انبعاثهم فثبطهم"؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبإمكانك أن تعرف الفرق بين الأمرين بصدق نية مريد فعل الطاعة، وإن لم يتيسر له فعلها، وبين من يقول ذلك بلسانه، أو بتصرفاته، وهو في الحقيقة لا يريد فعلها.

والمنافقون الذين قال الله فيهم: وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ. {التوبة:46}، كانوا من النوع الثاني، ومعنى الآية - كما قال أهل التفسير - أن المنافقين لو كانوا يريدون الخروج معه صلى الله عليه وسلم للجهاد حقيقة، أو كانت لهم نية صادقة في الغزو لاستعدوا له؛ قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ الآية، حجة على المنافقين، أي: ولو أرادوا الخروج بنياتهم؛ لنظروا في ذلك، واستعدوا له.

وقال القرطبي: لَوْ أَرَادُوا الْجِهَادَ لَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ السَّفَرِ، فَتَرْكُهُمُ الِاسْتِعْدَادَ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَتِهِمُ التَّخَلُّفَ.

وقال الشوكاني: ولوْ كَانُوا صَادِقِينَ فِيمَا يَدَّعُونَهُ - وَيُخْبِرُونَكَ بِهِ - مِنْ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْجِهَادَ مَعَكَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنَ الْعُدَّةِ لِلْجِهَادِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، لَمَا تَرَكُوا إِعْدَادَ الْعُدَّةِ، وَتَحْصِيلَهَا قَبْلَ وَقْتِ الْجِهَادِ، كَمَا يَسْتَعِدُّ لِذَلِكَ المؤمنون، فمعنى هذا الكلام: أنهم لم يريدوا الْخُرُوجَ أَصْلًا.

وفي تفسير المنار: لَمْ يَعُدُّوا لِلْخُرُوجِ عُدَّتَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوهُ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِالِاسْتِئْذَانِ سَتْرَ مَا عَزَمُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعِصْيَانِ.

وفي التفسير القرآني للقرآن: فهؤلاء الذين تخلّفوا لم يكونوا على نيّة الجهاد في سبيل الله، وأنهم لو كانوا على تلك النية لأعدّوا للجهاد عدّته، ولأخذوا له أهبته، ... ولكنهم لم يكونوا أبدًا على نية الجهاد.

وفي التحرير والتنوير: وَهَذَا تَكْذِيبٌ لزعمهم أنّهم تهيّؤوا لِلْغَزْوِ، ثُمَّ عَرَضَتْ لَهُمُ الْأَعْذَارُ، فَاسْتَأْذَنُوا فِي الْقُعُودِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ إِعْدَادِهِمُ الْعُدَّةَ لِلْجِهَادِ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ إِرَادَتِهِمُ الْخُرُوجَ إِلَى الْغَزْوِ.

فالآية نزلت في سياق حديث القرآن عن المنافقين، وتخلفهم عن غزوة تبوك، وادعائهم كذبًا أنهم يريدون الخروج معه صلى الله عليه وسلم، فرد الله عليهم، بقوله: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً {التوبة:46}، جاء في تفسير ابن كثير: وقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أُنَاسٍ قَالُوا: استأذِنُوا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ أَذِنَ لَكُمْ فَاقْعُدُوا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ فَاقْعُدُوا.

والحاصل أن الفرق بين الذي يؤجر على نيته، وبين من لا يؤجر عليها هو أن الأول مريد للفعل حقيقة، لكن حبسه عنه العذر، وأن الثاني ليس كذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني