السؤال
ما حكم الأخذ بقول أبي حنيفة بأن الدم يفسد الوضوء، والأخذ بقول الشافعي بعد الصلاة واعتماده وعدم إعادة الصلاة؟.
ما حكم الأخذ بقول أبي حنيفة بأن الدم يفسد الوضوء، والأخذ بقول الشافعي بعد الصلاة واعتماده وعدم إعادة الصلاة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء هل يلزم العامي تقليد مذهب معين أو له أن يقلد من شاء؟ ثم إذا أخذ بمذهب معين، فهل له أن ينتقل عنه إلى غيره أم ليس له ذلك؟ قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في إرشاد الفحول ما مختصره: اخْتَلَفَ الْمُجَوِّزُونَ لِلتَّقْلِيدِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ؟ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: يَلْزَمُهُ، وَرَجَّحَهُ إِلْكِيَا، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَلْزَمُهُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ بَرْهَانَ وَالنَّوَوِيُّ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَى الْعَامَّةِ تَقْلِيدَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، وَبَعْضِهِمْ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: لَا تَحْمِلِ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِكَ فَيُحرجوا، دَعْهُمْ يَتَرَخَّصُوا بِمَذَاهِبِ النَّاسِ، وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الطَّلَاقِ فَقَالَ: يَقَعُ، يَقَعُ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلَ: فَإِنْ أَفْتَانِي أَحَدٌ أَنَّهُ لَا يَقَعُ يَجُوزُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ: وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يُقَلِّدُونَ مَنْ شَاءُوا قَبْلَ ظُهُورِ الْمَذَاهِبِ، أَمَّا إِذَا الْتَزَمَ الْعَامِّيُّ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا فَلَهُمْ فِي ذَلِكَ خلاف آخر، وهو أنه هل يجوز له أَنْ يُخَالِفَ إِمَامَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، وَيَأْخُذَ بِقَوْلِ غَيْرِهِ؟ فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ قَدْ عَمِلَ بِالْمَسْأَلَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْتِقَالُ، وَإِلَّا جَازَ.... وَقِيلَ: يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ يَنْشَرِحَ لَهُ صَدْرُهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَاصِدًا لِلتَّلَاعُبِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ نَاقِضًا لِمَا قَدْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ. انتهى.
ولعل الراجح ـ إن شاء الله ـ أنه لا يجب التزام مذهب معين، وأنه يجوز للمقلد الانتقال من مذهب لآخر ما لم يقصد التلاعب ويكون تتبع الرخص ديدنا له، قال القرافي رحمه الله: قال الزَّنَاتيَ: يجوز تقليد المذاهب في النوازل، والانتقالُ من مذهبٍ إلى مذهب بثلاثة شروط: ألاَ يَجْمع بينهما على وجهٍ يخالف الإجماع، كمن تزوَّج بغير صَدَاقٍ ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد، وأن يعتقد فيمن يُقلِّده الفَضْلَ بوصول أخباره إليه، ولا يقلده رَمْياً في عَمَاية، وألاَّ يتتبَّع رُخَصَ المذاهب. انتهى.
فإذا علمت ما أسلفناه تبين لك أنه لا حرج على الشخص في الانتقال من مذهب الحنفية إلى مذهب الشافعية في المسألة المذكورة ما لم يكن قصده التلاعب وتتبع الرخص.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني