السؤال
قرأت في فتاوى لكم أنه يحق للرجل أن يكذب على زوجته أنه متزوج بأخرى، لأنه بذلك يبعد مفسدة بينهما، وفي فتوى أخرى قرأت لكم أن العلماء اتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو في ما لا يسقط حقًّا عليه أو عليها، فكيف لا يكون حقها في معرفة وضعها؟ وكيف لا يكون حقها وقد جعل الله بينهما السكن والمودة والرحمة، وهذه أساس الزواج؟ فكيف يخفي عنها ذلك؟ ألا يأخذ حقها؟ وإذا كان يفعل ما لا يغضب الله فلماذا يخفيه؟ حتى لو كان سيغضب غيره منه، فما دام متأكدا من أنه لا يغضب الله فمن المفروض أن لا يهمه شيء! وإذا كان خائفا من أن تطلب منه الطلاق، فلماذا يحرمها من حقها في الطلاق إذا كانت ترى أن لها في الطلاق منفعة أكبر من منفعتها إذا أكملت حياتها الزوجية معه. ويؤكد على ذلك قوله تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى أن تعدد الزوجات حق كفله الله تعالى للرجل بشرط قدرته على العدل بين زوجاته، وفي ذلك مصالح عظيمة سبق لنا التنبيه على بعضها في الفتوى رقم: 2286.
ولم يشترط الشرع على الزوج إعلام زوجته الأخرى، وهو بعدم إعلامه إياها لم يهضمها حقا هو لها، وقد يخفي ذلك عنها أو يكذب عليها ـ عند الحاجة ـ من أجل تحقيق مقصد شرعي عظيم أشرت إليه بسؤالك وهو الحفاظ على حسن العشرة بينهما، فيكون بذلك قد جمع بين المصلحتين ـ مصلحة زواجه من أخرى، ومصلحة المحافظة على علاقته مع الأولى ـ
وقولك: وإذا كان يفعل ما لا يغضب الله فلماذا يخفيه؟ كلام ليس في محله، فلا يلزم أن يكون كل ما يخفيه الإنسان منكرا، بل قد يخفي الشيء المباح لمصلحة معينة، جاء في الحديث الذي رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعينوا على انجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود.
قال المناوي في فيض القدير عند شرحه لهذا الحديث: قوله: فإن كل ذي نعمة محسود ـ يعني إن أظهرتم حوائجكم للناس حسدوكم فعارضوكم في مرامكم. اهـ.
فهذا إخفاء لأمر مباح.
وقولك: وإذا كان خائفا من أن تطلب منه الطلاق، فلماذا يحرمها من حقها في الطلاق...؟ مبني كسابقه على فهم خاطئ، فهي ليس لها الحق في أن تطلب من زوجها الطلاق لمجرد كونه قد تزوج من أخرى، وسبق لنا ذكر مسوغات طلب الطلاق في الفتوى رقم: 37112، فراجعيها.
وفي الختام نصيحتنا لك بالانصراف عن السؤال بمثل هذه الأسئلة التي هي إثارة لشبهات، وهو نهج قد سرت عليه في كثير من الأسئلة التي وردت إلينا، فالأولى بك السؤال عما وراءه عمل، فوقتنا ووقتك أغلى من أن نضيعه في الشبهات.
والله أعلم.