السؤال
إذا تاب العبد من الذنب أليس يُغفر له بنص الحديث: التائب من الذنب كمن لا ذنب له؟ فكيف نقرأ في سير الصالحين مثل محمد بن سيرين أنه يقول: منذ أربعين سنة أذنبت ذنبا فأنا انتظر عقوبته، فخسر جميع تجارته في العسل ـ فهل يعقل خلال الأربعين سنة أن ابن سيرين لم يقل: رب اغفر لي ما قدمت وما أخرت، رب اغفر لي ذنوبي، رب تبت إليك من كل الذنوب، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا؟ فلابد أن كل إنسان يتوب من ذنوبه، فإذا كان مع التوبة يُعاقب عليها في الدنيا فما هي منفعة التوبة إذًا؟ فإذا قلتم إن منفعة التوبة تكون في الآخرة، فهذا يجعل كل من يخطئ أو يذنب يعاقب بنص الآية: من يعمل سوءا يجز به.
أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن تاب من الذنب توبة صادقة نصوحا ارتفع موجب ذلك الذنب من عقوبة الدنيا أو الآخرة وصار العبد كمن لم يذنب كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
ولكن الشأن كل الشأن في توفية التوبة حقها والإتيان بها على وجهها، فالسلف ـ رحمهم الله ـ قاطعون بأن التائب توبة صادقة نصوحا مستوفية شرائطها وأركانها غير متوعد بعقوبة، وإنما كان خوفهم من ألا يكونوا أتوا بالتوبة على وجهها، فهم واثقون برحمة ربهم وسعة فضله، ولكنهم يسيؤون الظن بأنفسهم، فإذا اتضح لك هذا الفرقان زال عنك الإشكال الواقع في كلام بعضهم، وأن خوفه إنما كان من ألا يكون وفَّى التوبة حقها، لا أنه يرى كونه معاقبا على ذنبه ولابد سواء تاب أو لم يتب، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: وأما أئمة السلف: فإنما لم يقطعوا بالجنة، لأنهم لا يقطعون بأنه فعل المأمور وترك المحظور ولا أنه أتى بالتوبة النصوح، وإلا فهم يقطعون بأن من تاب توبة نصوحا قبل الله توبته. انتهى.
والله أعلم.