السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر 18 عاما، وعندي وسواس قاهر بشيء يسمى المبالغة في تأنيب الضمير من أني آثم على شيء معين. وأريد أن أطرح القضايا تدريجيا، وأريد أن أطرح أول مشكلة لي وهي:
* الحديث: " الكلام الذي ينطق به اللسان " فأنا وسواسي فيه أني إن نطقت بأي كلمة، أشعر أني آثم عليها لا محالة.
فأريد أن أعالج نفسي من خلال هذه الأسئلة، وأريد إجابة دقيقة أرجوكم؛ لأن هذا يرهقني بشدة:
1- ما هي ضوابط الكلام والحديث متى يكون الكلام مباحا وليس مشوبا بأي عيب؟ ومتى يكون هذا الكلام مشوبا بعيوب، ويكون الكلام في مرحلة قد يأثم عليه المتكلم به؟
2-فأنا يا سادة، يا أفاضل مثلا أتكلم ما بين الضحى والظهر مع أي شخص مثلا: كيف حالك يا فلان. ماذا فعلت في هذه اليوم. إذا مللت ماذا تفعل يا فلان. مثلا أنا لا أحب أن أفعل كذا وكذا. مثلا أقول يا فلان الطقس بارد جدا أليس صحيحا؟
وهذه أمثله على الكلام الذي أقوله، كلام اعتيادي يتداول بين الناس، وأنا أرى أنه ليس به شيء، لكن وسواسي يوسوس لي أني آثم على هذا الكلام.
فأريد أن أعرف الكلام المباح كيف يكون، والكلام المشوب بعيب والذي قد يأثم صاحبه عليه كيف يكون؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعافيك، ويصرف عنك السوء، ويهديك لأرشد أمرك، فقد بلغ منك الوسواس مبلغا عظيما، وأضر بك ضررا بالغا، وسبب ذلك هو استرسالك مع الوساوس، واستسلامك لها، وعدم مجاهدتك نفسك في تركها والإعراض عنها، وقد بينا مرارا وتكرارا أن أفضل علاج للوساوس بعد الاستعانة بالله، هو الإعراض عنها، وعدم الاكتراث بها ولا الالتفات إلى شيء منها؛ وانظر الفتوى رقم: 51601 ، ورقم: 134196.
وما سألت عنه إنما هو نتائج وساوس الشيطان، وإلا فالكلام الذي ذكرته من السؤال عن حال الناس، أو الطقس ونحو ذلك، كلام مباح، لا شيء فيه، ولا يخفى ذلك على عموم الناس، كما أنه لا يخفى عليهم أن الغيبة، والنميمة، والكذب، والقذف ونحو ذلك أقوال محرمة. فارفق بنفسك، ولا تفتش ولا تدقق؛ فإن ذلك لا يزيدك إلا مرضا ووسوسة.
واستمع لهاتين النصيحتين النافعتين:
الأولى: قول النووي- رحمه الله- في الأذكار: أنفع علاج في دفع الوسوسة: الإقبال على ذكر الله تعالى، والإكثار منه.
وقال السيد الجليل أحمد بن أبي الحواري: شكوت إلى أبي سليمان الداراني الوسواس، فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأي وقت أحسست به فافرح، فإنك إذا فرحت به انقطع عنك؛ لأنه ليس شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإن اغتممت به زادك. قلت: وهذا مما يؤيد ما قاله بعض الأئمة: إن الوسواس إنما يبتلى به من كمل إيمانه، فإن اللص لا يقصد بيتا خربا. انتهى.
والثانية: قول ابن حجر الهيتمي- رحمه الله- وقد سئل عن داء الوسوسة، هل له دواء؟
فأجاب بقوله: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان؛ فإنه متى لم يلتفت لذلك، لم يثبت بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها وإلى شيطانها...
فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته، واعلم أن من حرمه فقد حرم الخير كله؛ لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة، ونكد العيش، وظلمة النفس وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)... وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأنه يقاتله، فيكون له ثواب المجاهد؛ لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فر عنه. انتهى.
والله أعلم.