السؤال
أعلم أن النظر إلى المرأة الأجنبية حرام، ولكن يحدث للضرورة، أو بدون قصد أن أنظر إلى المرأة الأجنبية، وأنا حينما أنظر للضرورة، أو غير الضرورة، أو بقصد أو بدون قصد أجد شيئا في نفسي يدفعني إلى أن أنظر بشهوة، قد ينتصب معها عضوي الذكري، وهذا الشيء الذي يدفعني إلى ذلك هو اعتقاد بداخلي تماما أنه لا بد أن أنظر بشهوة حتى لا يأتيني برود جنسي في حياتي على الإطلاق؛ لأني إن نظرت إلى أي أنثى مثلا بدون شهوة، فإن أردت أن أتزوجها مثلا فسيكون عندي برود جنسي، إذا كنت قبل ذلك أعتبرها كأمي، أو أختي، أو بيننا أخوة في الإسلام، أو أخوة في الوطنية، وحتى إن لم أرد أن أتزوجها فإنه سيأتيني برود جنسي إن تزوجت غيرها، أو حتى إن لم أتزوج في حياتي. فما رأي الإسلام في ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نظر الأجنبية بشهوة محرم؛ لما أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه.
والواجب على من وقع بصره على امرأة أن يغض ويصرف بصره؛ فإن الله تعالى يقول: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ {النور:30}.
وقال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن نظر الفجأة: اصرف بصرك. رواه مسلم.
وقال البخاري رحمه الله تعالى: قال سعيد بن أبي الحسن للحسن البصري: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن، قال: اصرف بصرك عنهن، قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ. اهـ.
قال النووي في شرح حديث مسلم: ومعنى الفجأة أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد، فلا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث، فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصرف بصره مع قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ { النور:30}. انتهى.
ولا يجوز إدمان النظر وتعمده بدعوى تفادي البرود الجنسي؛ لأن الغاية لا تبرر الوسيلة، ولأن الله لم يجعل شفاء الأمة في الحرام كما في الحديث. فالواجب هو البعد عن النظر المحرم، وغض البصر عندما ترى أي شيء يحرم نظره؛ فقد روى الترمذي وأبو داود عن ابن بريدة، عن أبيه، رفعه قال: يا علي: لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة. وحسنه الألباني.
وجاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود: فَقَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ ـ أَيْ لَا تَنْظُرْ مَرَّةً ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَكُنْ بَالِاخْتِيَارِ فَهُوَ معفو عنها، فإن أدام النظر أثم، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أبصارهم ـ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:... وَيَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إِلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ: وَيُرْوَى أَطْرِقْ بَصَرَكَ. قَالَ: وَالْإِطْرَاقُ أَنْ يُقْبِلَ بِبَصَرِهِ إِلَى وَجْهِهِ، وَالصَّرْفُ أَنْ يَفْتِلَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ وَالنَّاحِيَةِ الْأُخْرَى ـ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ـ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النظرة من اتباع أَيْ لَا تُعْقِبْهَا إِيَّاهَا، وَلَا تَجْعَلْ أُخْرَى بَعْدَ الْأُولَى، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، أَيِ النَّظْرَةَ الْأُولَى إِذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ أَيِ النَّظْرَةُ الْآخِرَةُ، لِأَنَّهَا بَاخْتِيَارِكَ فَتَكُونُ عَلَيْكَ. اهـ
وراجع في فوائد غض البصر وثمراته الفتوى رقم: 78760.
والله أعلم.