السؤال
هل ظلم بعض الخلفاء في العهد الأموي والعباسي في الفتوحات في عصرهم خاصة أن منهم من كان غير ملتزم بدينه، يُعتبر أن منهم من ظلم ـ حقيقةً وتاريخياً ـ البلدان غير المسلمة التي قدم ليفتحها؟ وأنا لا أريد هنا أن تؤصل لي مسألة الجهاد، بل أريد أن أعرف تاريخياً هل كانت فتوحاتهم متلائمة مع الرحمة الإسلامية؟ أم كانت ظالمة لغيرهم؟ وماذا عن فتح الأندلس أيضاً؟ أرجو أن تجيبني بتجرد وموضوعية ومن خلال الحقائق.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوجود بعض المظالم في العصر الأموي وما تلاه من العصور أمر لا يمكن إنكاره، ولا يختص هذا بأهل الذمة من أهل البلاد المفتوحة، بل قد وقع على كثير من فضلاء وعلماء المسلمين مظالم معروفة! وقد كانت المظالم أحد أسباب زوال دولة بني أمية في المشرق وفي الأندلس، وكذلك من بعدهم العباسيين ومن تلاهم، وقد تناول الدكتور علي الصلابي في كتاب: الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار ـ أسباب سقوط الدولة الأموية، وذكر منها: الظلم، وقال: إن الظلم في الدولة كالمرض في الإنسان يعجل في موته بعد أن يقضي المدة المقدرة له وهو مريض، وبانتهاء هذه المدة يحين أجل موته فكذلك الظلم في الأمة والدولة، يعجل في هلاكها بما يحدثه فيها من آثار مدمرة تؤدي إلى هلاكها... ولقد حدثت مظالم عظيمة في عهد الأمويين، فقد سفكوا الدماء بغير حق، وقتلوا بعض صالحي الأمة... وأما الأموال: فقد فرضوا زيادات في بعض الضرائب المقررة وأنشأوا ضرائب جديدة لم تكن معروفة.. اهـ.
وذكر من الأسباب أيضا: فشل الأمويين في إيجاد تيار حضاري، فقال: كان عمر بن عبد العزيز قد حاول بإيمان صادق وذكاء متميز، سبقه إليه جده عمر بن الخطاب، أن يوقف هذا الامتداد في الأرض حتى يواكبه امتداد في الدعوة، بحيث لا تطغى الأرض على الحضارة، ولا الدولة على الدعوة، ولا تصبح اعتبارات السياسة أهم من مبادئ الدين، فقد عمل على إيجاد تيار حضاري عقدي يملأ أركان الحياة، ومهما يكن من أمر، فإن الدولة الأموية في عمومها لم تستوعب قانون الامتداد الحضاري، فبعد الامتداد بالفتوحات كان عليها أن تمتد بالدعوة، وإلا فقدت بالداخل البقاء والتقدم. اهـ.
ومع هذا، فلابد من التنبيه على أن هذه المظالم إذا ما قورنت بالوضع السائد عند غير المسلمين فإنها لا تكاد تذكر! ولو وازنا بين معاملة الأمويين ومن بعدهم لأهل البلاد المفتوحة، وبين معاملة حكامهم السابقين من جهة، ومعاملة غير المسلمين لما يغزونه من بلاد المسلمين من جهة أخرى، لوجدنا الفرق بيِّناً لا تخطئه عين دارس أو باحث! ويكفي أن تقارن بين معاملة المسلمين الفاتحين لأهل الأندلس، وبين معاملة النصارى للمسلمين بعد سقوط غرناطة في ما يعرف بمحاكم التفتيش، وعلى أية حال، فمن كان عنده ولو قليل من الإنصاف من الدارسين للتاريخ من غير المسلمين ذكروا هذه الحقيقة، قال ول ديورانت في قصة الحضارة: لقد كان أهل الذمة المسيحيون والزردشتيون واليهود والصابئون يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيراً لها في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم.. اهـ.
وقال في موضع آخر: أكبر الظن أن ما يحدثنا عنه المؤرخون عن ضروب القسوة التي كان يرتكبها بعض الخلفاء لم يكن يزيد في مجموعه على ما كان يرتكبه الملوك المسيحيون والبيزنطيون والمروفنجيون... أما المألوف: فإن المسلم كان مثال الرقة، والإنسانية، والتسامح. اهـ.
وقال أيضا: عامل الفاتحون أهل البلاد ـ يعني الأندلس ـ معاملة لينة طيبة، ولم يصادروا إلا أراضي الذين قاوموهم بالقوة ولم يفرضوا على الأهلين من الضرائب أكثر مما كان يفرضها عليهم ملوك القوط الغربيين، وأطلقوا لهم من الحرية الدينية ما لم تتمتع به أسبانيا إلا في أوقات قليلة نادرة. اهـ.
وللوقوف على حقيقة ذلك يمكن الرجوع لكتاب: حقوق غير المسلمين في بلاد الإسلام ـ للدكتور صالح العايد، وهو أحد أبحاث رابطة العالم الإسلامي.
ومما يفيد السائل في موضوع سؤاله كتاب: الدعوة إلى الإسلام ـ للمستشرق الإنجليزي توماس أرنولد، فهو يقدم عرضا تحليليا لتاريخ وسبل نشر العقيدة الإسلامية منذ عهد النبوة وحتى القرن التاسع عشر.
والله أعلم.