السؤال
أنا شاب جزائري، عقدت على فتاة عقدا شرعيا سنة 2004, ولعدم وجود السكن، لم نعقد عقدا مدنيا، ولم نقم بالعرس، وكنا نلتقي ونتلامس بدون جماع، ثم اكتشفت أسرارا سيئة عنها، وبعد أشهر قليلة وقع خلاف بيننا، وطلبت مني الإسراع في الزواج أو الطلاق، فنطقت: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وكانت نيتي الطلاق؛ لأني كرهت ضغوطها، ولكنها عادت وندمت، وأرادت الاستمرار، فعدنا إلى اللقاءات والتلامس بدون جماع، وكلما طلبت مني إتمام الزواج بعقد مدني، والعرس أقول لها اصبري، وتارة أقول لها: لا أريد إتمام الزواج أي العيش معها، وأني قد طلقت من قبل وهكذا إلى يومنا هذا. وأنا نادم على هذا التصرف الذي دام طويلا، والسبب هي التي تلاحقني، ولا تريد الابتعاد عني.والآن أريد أن أتوب، وأريد معرفة حكم الشرع وما العمل؟ وجزاكم الله أحسن الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تلفظت بطلاق زوجتك قبل أن تدخل بها، أو تخلو بها خلوة صحيحة، فقد بانت منك بلا ريب، لكن أهل العلم اختلفوا في وقوع الثلاث في مثل هذه الحال.
قال ابن قدامة –رحمه الله- : وإذا قال لمدخول بها: أنت طالق، أنت طالق. لزمه تطليقتان، إلا أن يكون أراد بالثانية إفهامها أن قد وقعت بها الأولى، فتلزمه واحدة. وإن كانت غير مدخول بها، بانت بالأولى، ولم يلزمها ما بعدها؛ لأنه ابتداء كلام............. ...
فلا تطلق إلا طلقة واحدة، سواء نوى الإيقاع أو غيره، وسواء قال ذلك منفصلا أو متصلا. وهذا قول أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وعكرمة، و النخعي، وحماد بن أبي سليمان، والحكم، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأبي عبيد، وابن المنذر. وذكره الحكم عن علي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود. وقال مالك، والأوزاعي، والليث: يقع بها تطليقتان. وإن قال ذلك ثلاثا، طلقت ثلاثا إذا كان متصلا؛ لأنه طلق ثلاثا بكلام متصل، أشبه قوله أنت طالق ثلاثا. المغني.
وأما إن كنت خلوت بزوجتك خلوة صحيحة، وهي الخلوة التي يمكن فيها الوطء عادة، فبعض أهل العلم يجعل لهذه الخلوة حكم الدخول، ويجعل للزوج حق الرجعة في العدة وهو قول الحنابلة، وهو المفتى به عندنا، وبعضهم يجعل له الرجعة إذا أقر بجماعها، وهذا قول الحنفية، وبعضهم لا يجعل له الرجعة إلا إذا أقر هو وزوجته بالوطء، وهذا قول المالكية، وهذه نصوص الفقهاء في المسألة:
قال الخرقي –رحمه الله- في مختصره: وَإِذَا خَلَا بِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ، فَقَالَ: لَمْ أَطَأْهَا، وَصَدَّقَتْهُ، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِمَا، وَكَانَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ الدُّخُولِ، فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمَا، إلَّا فِي الرُّجُوعِ إلَى زَوْجٍ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ فِي الزِّنَى، فَإِنَّهُمَا يُجْلَدَانِ، وَلَا يُرْجَمَانِ. اهـ.
قال ابن قدامة –رحمه الله- : وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: حُكْمُهَا حُكْمُ الدُّخُولِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمَا. يَعْنِي فِي حُكْمِ مَا لَوْ وَطِئَهَا، مِنْ تَكْمِيلِ الْمَهْرِ، وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ، وَتَحْرِيمِ أُخْتِهَا، وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا إذَا طَلَّقَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ لَهُ عَلَيْهَا فِي عِدَّتِهَا. المغني لابن قدامة.
وقال السرخسي الحنفي -رحمه الله- : وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْخَلْوَةِ، وَهُوَ يَقُولُ لَمْ أَدْخُلْ بِهَا، فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِالْبَيْنُونَةِ، وَسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الرَّجْعَةِ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ. المبسوط للسرخسي.
وقال ابن نجيم الحنفي -رحمه الله- :وفيها: لو قال بعد الخلوة بها وطئتك، وأنكرت، فله الرجعة، وإن أنكر الزوج الوطء لا رجعة له. اهـ.البحر الرائق شرح كنز الدقائق.
وقال المواق المالكي -رحمه الله- : تثبت الرجعة بالخلوة، وتصادقهما على الإصابة. التاج والإكليل لمختصر خليل.
وقال الدسوقي -رحمه الله- : حاصله أن الرجعة لا تصح إلا إذا ثبت النكاح بشاهدين، وثبتت الخلوة، ولو بامرأتين، وتقارر الزوجان بالإصابة. انتهى من حاشية الدسوقي على الشرح الكبير.
وعليه؛ فما دامت المسألة محل خلاف بين أهل العلم، فالذي ننصحك به أن تعرضها على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوق بهم.
والله أعلم.