السؤال
شيخنا الفاضل: هل يجوز للرجل أن يطلب بأدب من أخت مسلمة أجنبية عنه أن تساعده في الزواج، بأن يقدم لها الصفات التي يتمناها في الزوجة، فتقوم بالحديث مع الأخوات، وإذا تعرفت على أخت وفقا للصفات التي يتمناها تخبره... وبعد ذلك يتحاور الرجل مع أهل الفتاة وتتم الرؤية الشرعية بين الطرفين؟.
نفع الله بكم مع دعواتكم لنا بالعفاف والستر وأن يجنبنا الله الفتن ما ظهر منها وما بطن.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك ولأيامى المسلمين الستر والعفاف وأن يجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وطلب المساعدة في أمر الزواج يدخل في التعاون على أمر من الدين، وبالتالي فالأصل فيه أنه تعاون مشروع، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
ويدل لمشروعية التوكيل في هذا الباب عموما إرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم أم سليم للنظر إلى امرأة يريد التعرف على صفاتها، فقال لها: شُمِّي عَوَارِضَهَا، وَانْظُرِي إِلَى عُرْقُوبَيْهَا. رواه الإمام أحمد في المسند، وحسنه الأرناؤوط.
والصورة المطروحة في السؤال تدخل في هذا الأصل شريطة أن تراعى فيها الضوابط الشرعية للتعامل بين الجنسين، فإن الأصل في المحادثة بين الجنسين المنع إلا بشروط قررها أهل العلم، منها الحاجة، وأمن الفتنة، والحشمة، وعدم الخلوة وعدم المصافحة، وعدم النظر المحرم، وعدم التلذذ بسماع الصوت، وعدم الخضوع بالقول، والتزامها بالحجاب الشرعي فلا يكفي مجرد الأدب لإباحة المحادثة والطلب، ونؤكد في ذلك على شرط أمن الفتنة، فإن طبيعة حديث الجنسين في صفات المخطوبة مظنة الفتنة، وينظر في تقرير هذه الضوابط الفتوى رقم: 30792 .
والبحث عن الزوجة الصالحة حاجة مشروعة، لأنه وسيلة إلى تحقيق مقصد شرعي وهو النكاح المشروع، لكن الحاجة عند الفقهاء تقدر بقدرها ولا ترتكب لها المحرمات، وخصوصا مع توفر البدائل الأخرى، فلذلك ننصحك بألا تلجأ إلى هذا الطريق إلا إذا عدمت البدائل الأخرى كالاستعانة بمحارمك من النساء أو تسأل الشيوخ الصالحين ذوي المعرفة بالآباء المربين ممن لهم بنات صالحات في سن الزواج، فالسلامة في الدين لا عِدل لها، فإذا لم تتيسر البدائل وأمنت الفتنة والتزمت بضوابط المحادثة بين الجنسين، فلا بأس فيما سألت عنه ـ إن شاء الله ـ وينبغي أن تكون الواسطة أهلا للقيام بتلك المهمّة، فقد قال الإمام الغزالي في الإحياء: وَلَا يَسْتَوْصِفُ فِي أَخْلَاقِهَا وَجَمَالِهَا إِلَّا مَنْ هو بصير صادق خبير بالظاهر والباطن، ولا يَمِيلُ إِلَيْهَا فَيُفْرِطَ فِي الثَّنَاءِ، وَلَا يَحْسُدُهَا فيقصر، فالطباع مائلة في مبادي النكاح ووصف المنكوحات إلى الإفراط والتفريط.
والخلاصة: أنه يجوز للرجل توكيل امرأة أجنبية ثقة في البحث عن زوجة صالحة مناسبة له شريطة الالتزام بالضوابط الشرعية.
والله أعلم.