السؤال
كنت عاقدًا قِراني على فتاة، وحصلت ظروف فرقت بيننا، فوقع الطلاق بيننا قبل الدخول، ونريد الآن العودة بعقد ومهر جديدين، فهي تريدني، وأنا أريدها، وقد زالت الظروف التي أدت إلى طلاقنا، وبسبب تلك الظروف التي أدت إلى التفريق بيننا، فإن والد الفتاة يعارض بشدة عودتي لها، ونحن نتواصل على الهاتف للاطمئنان على بعض، وللاطمئنان على تقدمنا، وأنا أنتظر أن أجد وظيفة حتى أبدأ بإرسال أهلي إلى أهلها، والتقدم لها مرة تلو الأخرى حتى يرضخ والدها؛ امتثالًا لأمر رب العالمين حين قال جل من قائل: وبعولتهن أحق بردهن ـ وجل المواضيع التي نتحدث فيها على الهاتف هي السؤال عني وعن أهلي، والسؤال عنها وعن أهلها، وعن أي وظائف جديدة، أو مقابلات عمل لي، وهكذا، وليس في حديثنا كلام حب وغرام، ولا أي شيء قد يعد خاطئًا، فهل تواصلنا على الهاتف خطأ أم لا؟ وهل كوني زوجها السابق يعطيني الحق في التواصل معها بنية إرجاعها إلى ذمتي، وبما يرضي الله؟ وهل كوني زوجها السابق، يحق لي ما لا يحق لغيري؟ وهل يمنحني أي امتيازات لا تكون لأجنبي عنها مثل التواصل معها على سبيل المثال؟ وجزاكم الله كل خير على جهودكم، وجعلها في ميزان حسناتكم، آمين.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطلاق الزوجة قبل الدخول طلاق بائن، لا يملك الزوج الرجعة فيه، إلا أن يعقد عليها عقدًا جديدًا، قال ابن قدامة - رحمه الله -: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّ مُطَلِّقُهَا رَجْعَتَهَا.
وعليه، فقد بانت منك زوجتك بالطلاق قبل الدخول، وصارت أجنبية لا يحل لك منها شيء، ولا يجوز لك الكلام معها لغير حاجة، وكونك مطلقًا لها لا يجعل لك الحق في التواصل معها، بل إن الفتنة بالمطلقة قد تكون أشد منها بالأجنبية، قال الشربيني: أما إذا أصدقها تعليمها بنفسه، فطلق قبل التعليم بعد دخول أو قبله تعذر تعليمه؛ لأنها صارت محرمة عليه، لا يجوز اختلاؤه بها، فإن قيل: الأجنبية يباح النظر إليها للتعليم، وهذه صارت أجنبية، فهلا جاز تعليمها؟ أجيب بأن كلا من الزوجين تعلقت آماله بالآخر، وحصل بينهما نوع ود، فقويت التهمة، فامتنع التعليم؛ لقرب الفتنة.
واعلم أنّ الآية التي ذكرتها تختص بالمطلقة الرجعية، ولا تصلح للاستدلال على إرجاع البائن، قال ابن كثير - رحمه الله -: وَقَوْلُهُ: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا ـ أَيْ: وَزَوْجُهَا الَّذِي طَلَّقَهَا أَحَقُّ بِرِدَّتِهَا مَادَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، إِذَا كَانَ مُرَادُهُ بِرِدَّتِهَا الْإِصْلَاحَ وَالْخَيْرَ، وَهَذَا فِي الرَّجْعِيَّاتِ.
لكن إن كنت تريد الرجوع للمرأة بعقد جديد، وكانت راضية، فلا حق لأبيها في منعها من ذلك، قال تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة: 232}.
قال ابن كثير - رحمه الله -: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ـ2ـ وَأَنْ يُرَاجِعَهَا، وَتُرِيدَ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ، فَيَمْنَعُهَا أَوْلِيَاؤُهَا مِنْ ذَلِكَ، فَنَهَى اللَّهُ أَنْ يَمْنَعُوهَا.
والله أعلم.