السؤال
إذا أردت الذهاب للعمرة يذهب معي أهلي وهم غير مسلمين ولا يرضون أبدا أن أذهب إلا وهم معي ويزعمون أنهم يأخذون عمرة ويلبسون لباس الإحرام، وأنا أعرفهم جيداً ورأيت منهم أشياء محرمة لا يفعلها المسلمون ـ كالذهاب إلى السحرة وكره الإسلام، ولكنهم يحاولون أن يخفوا هذا الكره ـ ويدخلون الحرم ولا يوجد لدي محرم غيرهم، وكلما أردت الذهاب للعمرة فإنني أتردد بسبب ذلك، فهل يعقل أن أتركها طوال حياتي لأنه لا يوجد لدي محرم مسلم؟ أشعر بالذنب عندما أعتمر وهم معي، كما أشعر أنني أغضب ربي، فهل يجوز الآن أن أذهب للعمرة وهم معي؟ وهل يترتب علي ذنب؟ وهل يغضب علي ربي؟ مع العلم أنهم يدخلون الحرم رغما عني ولا يرضون بأن يكونوا بعيدين، وهل يجوز أن آخذ عمرة بنية شكر الله؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكافر لا يحل له دخول الحرم، ولا يصح منهم أداء العمرة، قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: فلا يجبان ـ أي: الحج والعمرة ـ على كافر ولو مرتدا، لأنه ممنوع من دخول الحرم، وهو مناف له، ويعاقب الكافر على حج، وكذا عمرة وسائر فروع الإسلام. اهـ. وراجعي الفتويين: 180439، 3225. ولكن الحكم على من ثبت له حكم الإسلام بكفر عينه ليس بالأمر الهين، فليس كل من وقع بالكفر وقع الكفر عليه، فقد يقوم عنده مانع من موانع التكفير كالجهل أو التأويل، وراجعي في ذلك الفتويين: 721، 65312.
وقد سبق لنا التنبيه في الفتوى رقم: 125009، على أن الحكم على معين بالردة وما يتبع ذلك من آثار لا بد فيه من الرجوع للقاضي أو من يقوم مقامه. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 172957.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: كثير من الفقهاء يظن أن من قيل: هو كافر، فإنه يجب أن تجري عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة، فلا يرث ولا يورث ولا يناكح، حتى أجروا هذه الأحكام على من كفروه بالتأويل من أهل البدع، وليس الأمر كذلك فإنه قد ثبت أن الناس كانوا ثلاثة أصناف: مؤمن، وكافر مظهر للكفر، ومنافق مظهر للإسلام مبطن للكفر، وكان في المنافقين من يعلمه الناس بعلامات ودلالات، بل من لا يشكون في نفاقه ومن نزل القرآن ببيان نفاقه ـ كابن أبيٍّ وأمثاله ـ ومع هذا فلما مات هؤلاء ورثهم ورثتهم المسلمون، وكان إذا مات لهم ميت آتوهم ميراثه، وكانت تعصم دماؤهم، حتى تقوم السنة الشرعية على أحدهم بما يوجب عقوبته. اهـ.
هذا، وننبه أن جمهور أهل العلم يرون أن الكافر يصلح أن يكون محرما للمسلمة في سفرها، وراجعي الفتويين: 45439، 104894.
وأما الاعتمار بنية الشكر: فلا حرج فيه، وكذلك كل عبادة يقوم بها العبد إنما هي شكر لله تعالى على نعمه، كما قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ {سبأ: 13}.
قال ابن عطية في تفسيره: قوله تعالى: شُكْراً ـ يحتمل أن يكون نصبه على الحال، أي اعملوا بالطاعات في حال شكر منكم لله على هذه النعم، ويحتمل أن يكون نصبه على جهة المفعول، أي اعملوا عملا هو الشكر، كأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي نفسها الشكر إذ سدت مسده. اهـ.
وقال ابن كثير: فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية، كما قال: أفادتكم النعماء مني ثلاثة: ... يدي، ولساني، والضمير المحجبا ـ قال أبو عبد الرحمن الحبلي: الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله لله شكر، وأفضل الشكر الحمد، رواه ابن جرير، وروى هو وابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي قال: الشكر تقوى الله والعمل الصالح. اهـ. وراجعي الفتوى رقم: 120789.
والله أعلم.