الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاقة الولد بأبيه الفاسق والأمور الواجب مراعاتها

السؤال

لدي أب صعب المراس لا يصلي ولا يصوم، وسب الذات الإلهية دائما على لسانه، ذهب إلى بلد وفتح الله عليه أبواب الرزق فرجع غير الرجل الذي نعرفه، مات والداه وهما غاضبان عليه، وسبب المشاكل لأمي وأخذ حقوقها كاملة من ذهب ومهر، وظلم أخته الوحيدة، وظلم بناته ولم يعطهن حقوقهن، وظلم أخي الأكبر في دراسته الجامعة حيث لم يكملها ولم يفرح في عرسه، وهرب منه إلى بلد مجاور وهو في عمر 20 ولم يصرف علينا ونحن في عز الطلب والحاجة، ولديه مبلغ كبير من المال ادخره في البنك بفوائد ربوية، ولديه 3 إخوة مرضوا بسبب ضربه لهم بقسوة، وفسخ كتاب أختي فقط لأنه لا يحب حماها، وهجر أمي مدة تصل 13 سنة، وسبها وسب والديها وعائلتها ورفع يده عليها ولم يترك شيئا من الظلم والحرام إلا فعله ـ أسأل الله أن يهديه ـ وقبل سنتين تقريبا أصيب بجلطة دماغية أضعفته، وهو الآن عند امرأته الثانية ولا أحد يزوره أو يتذكره أو يذكره، ونحن أولاده قلما نتكلم معه، مع العلم أنه يسكن في نفس الحي معنا على بعد 100 متر تقريبا، وهنا أيقنت أن كل ما فعله ارتد عليه إيمانا بأن الله يمهل....

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر أن السائل لم يكمل سؤاله، ولم يبين وجه الإشكال عنده في السرد الذي جاء به، وعلى أية حال، فإنه يجب على المرء أن يراعي في علاقته مع أبيه بابين عظيمين في الإسلام وهما:
الأول: وجوب بره وصلة رحمه وحرمة قطعها، فوجوب بر الوالد على الولد لا يسقط بحال، وقطيعته كبيرة لا تحل بحال مهما أساء الوالد أو ظلم، فإنه ليس بعد الكفر ذنب، وقد أمر الله الولد ببر والده الكافر الذي يجاهده على الكفر ولم يحل له قطيعته بذلك، قال الشيخ السعدي في تفسيره التيسير على قوله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15} ولم يقل: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما ـ بل قال: فَلا تُطِعْهُمَا ـ أي: بالشرك، وأما برهما فاستمر عليه، ولهذا قال: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ـ أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي فلا تتبعهما.
فإذا تقرر ذلك فاعلم:
1ـ أن عيادة الوالد في مرضه وزيارته في عافيته وتفقده والحديث معه من البر الواجب وتركه من العقوق المحرم، لأنها من المصاحبة بالمعروف التي أمر الله بها، ما لم يستلزم ذلك ضررا محققا بالولد، فلا ضرر ولا ضرار، وينظر في هجر الوالد الساب للذات الإلهية الفتوى رقم: 50848.
2ـ أن وجوب بر الوالد بما ذكر لا يستلزم إقراره على شيء من ظلمه لأحد، وطاعته واجبة في غير معصية الله أو الإضرار بأحد، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.
3ـ من تمام البر الواجب للوالدين الموازنة بين برهما عند خصومتهما وتهاجرهما وطلاقهما، فإن وجوب بر أحدهما ليس مانعا ولا مسقطا لوجوب بر الآخر، وقد فصلنا الكلام على هذه الموازنة في حالة السائل في الفتوى رقم: 245989.

الثاني: وجوب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ولا يسقط هذا الوجوب علاقة البنوة، بل الاحتساب على الوالدين من كمال برهما وصلة رحمهما وإن كانا كافرين، ولنا في إبراهيم ـ عليه السلام ـ أسوة حسنة، وإطلاق أدلة الاحتساب تشمل الأبناء مع الآباء إجماعا، جاء في الموسوعة الفقهية: أجمع الفقهاء على أن للولد الاحتساب عليهما، لأن النصوص الواردة في الأمر والنهي مطلقة تشمل الوالدين وغيرهما، ولأن الأمر والنهي لمنفعة المأمور والمنهي، والأب والأم أحق أن يوصل الولد إليهما المنفعة.

ولكن يراعى في إقامة هذا الباب ضوابط فقه الإنكار على الوالدين، وراجع في جميع ما ذكر فتاوانا التالية أرقامها: 109767، 224710، 18216.

ومن تمام ما ذكر دعوته إلى التوبة النصوح من كل الكبائر والصغائر قبل موته، ومن تمام ذلك إعانته على ردّ المظالم إلى أصحابها ومنعه من الظلم، فقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ. رواه أحمد واللفظ له، والبخاري.

الاحتساب في الصبر عليه مهما صعب مراسه وكبرت سنه، فقد ندب الشرع المحتسب إلى الصبر، قال تعالى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان:17}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني