السؤال
قرأت في فتوى في هذا الموقع، وعدد من المواقع الأخرى، وكذا في كتاب فقه السنة أن عدة المرأة التي خالعت زوجها حيضة واحدة، وهو ما كان عليه عمل الصحابة، وعليه فقد تزوجت من امرأة بعد انقضاء حيضة واحدة على خلعها من زوجها، خاصة أنه كانت هناك ظروف عائلية قوية تدفعنا لإتمام الزواج بأسرع وقت، ووجود رأي فقهي معتبر بخصوص العدة ـ كما ذكرت ـ إلا أن أحد الأصدقاء أخبرني أن هذا مخالف لرأي الجمهور، فهل ما فعلته حرام؟ وماذا أفعل إن كان حرامًا؟ علمًا أنني تزوجتها منذ أقل من شهر.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يبارك لك وعليك، وأن يجمع بينك وبين زوجك على خير، واعلم أن طائفة من أهل العلم قد ذهبوا إلى تخيير العامي بين أقوال المفتين لعدم خروجه بذلك عن واجبه في تقليد المجتهدين، جاء في الموسوعة الفقهية: وَالأْصَحُّ وَالأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ تَخَيُّرَ الْعَامِّيِّ بَيْنَ الأْقْوَال الْمُخْتَلِفَةِ لِلْمُفْتِينَ جَائِزٌ؛ لأِنَّ فَرْضَ الْعَامِّيِّ التَّقْلِيدُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِتَقْلِيدِهِ لأِيِّ الْمُفْتِيَيْنِ شَاءَ.
وقال المرداوي في التحبير: إِذا اخْتلف عَلَيْهِ فتيا مفتيين: تخير فِي الْأَخْذ، على الصَّحِيح، اخْتَارَهُ القَاضِي، وَالْمجد، وَأَبُو الْخطاب، وَذكره ظَاهر كَلَام أَحْمد، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَن مَسْأَلَة فِي الطَّلَاق؟ فَقَالَ: إِن فعل حنث، فَقَالَ السَّائِل: إِن أفتاني إِنْسَان لَا أحنث؟ قَالَ: تعرف حَلقَة الْمَدَنِيين؟ قلت: فَإِن أفتوني حل؟ قَالَ: نعم.
وذهب الجمهور إلى مسلك الترجيح، وينظر الخلاف في الفتوى رقم: 162707.
وأما ما ذكره لك صديقك من أن ما أخذت به مخالف لرأي الجمهور، فهو قول صحيح، فعدة المختلعة كعدة المطلقة في قول جمهور الفقهاء، وراجع في هذا فتوانا رقم: 191523 بعنوان: عدة المختلعة ومكانها وحكم خروجها.
ولكن مذهب الجمهور قد لا يلزم الأخذ به، وقد لا يكون هو الراجح في المسألة، قال ابن القيم وهو يناقش قول الجمهور بوقوع طلاق الحائض: الْمَقَامُ الثَّانِي: أَنَّ فَتْوَى الْجُمْهُورِ بِالْقَوْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. اهـ.
ثم فصّل ما أجمله في هذه العبارة.
وفي خصوص عدة المختلعة ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى أنه لم يصح عن أحد من الصحابة أنها كعدة المطلقة، قال: وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عُثْمَانَ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَآخِرُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ صَحَابِيٍّ خِلَافُهُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ خِلَافُهُ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ بِإِسْنَادِ ضَعِيفٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعِكْرِمَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه، وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ.
وعليه، فأخذ السائل بفتوى الحيضة في عدة المختلعة لا حرمة فيه ـ إن شاء الله ـ خصوصًا إن كان قد أقدم عليه عن ترجيح، وأما على مذهب الجمهور في أن عدة المختلعة كعدة المطلقة فلابد من فسخ النكاح لعدم صحة نكاح المعتدة من الغير، وإتمام عدة المختلعة من الرجل الأول، ثم العقد عليها من جديد، وليس من شك في أن الأخذ بهذا القول أحوط.
والله أعلم.