السؤال
ما حكم طلاء ـ دهان ـ المسجد؟ وما حكم ترميم بعض ما في المسجد؟ فهناك مسجد مبني بحديد الزنق، فما حكم تلبيس حديد الزنق بقماش، أو تلبيسه بجبس كنوع من الديكور؛ لأن مظهر الحديد غير جيد في المسجد؟ وقد شاركت أحد معارفي في تجارة، وقد كذب علي، وأكل أموالي، ووضعها في مشروع غير المتفق عليه، فهل يجوز الدعاء عليه لأنه وضع المال في غير المتفق عليه، ولأنه ضحك عليّ؟ أفيدوني - جزاكم الله خيرًا -.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طلاء المسجد، وستر جدره إن كانت هناك حاجة له، فهو مشروع. وإن كان للتجميل والتزيين ولم يكن فيه إسراف، أو مباهاة، أو إشغال للمصلين، فلا بأس به، جاء في كشاف القناع: وتحرم زخرفته ـ أي: المسجد ـ بذهب، أو فضة، وتجب إزالته إن تحصل منه شيء بالعرض على النار، كما تقدم في الزكاة موضحًا، وأول من ذهب الكعبة في الإسلام وزخرفها وزخرف المساجد: الوليد بن عبد الملك، ويكره أن يزخرف المسجد بنقش، وصبغ، وكتابة، وغير ذلك مما يلهي المصلي عن صلاته غالبًا، وإن كان فعل ذلك من مال الوقف حرم فعله، ووجب الضمان أي: ضمان مال الوقف الذي صرفه فيه؛ لأنه لا مصلحة فيه، وإن كان من ماله لم يرجع به على جهة الوقف، وفي الغنية: لا بأس بتجصيصه ـ أي: يباح تجصيص حيطانه، أي: تبييضها، وصححه القاضي سعد الدين الحارثي، ولم يره الإمام أحمد، وقال: هو من زينة الدنيا، قال في الشرح: ويكره تجصيص المساجد وزخرفتها؛ لما روى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم ـ رواه ابن ماجه، وعن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أمرت بتشييد المساجد ـ رواه أبو داود. اهـ.
وفي إعلام الساجد للزركشي: وفي تحلية المساجد بالذهب، والفضة، وتعليق قناديلها وجهان، أصحهما: التحريم، فإنه لم ينقل عن السلف. والثاني: الجواز، كما يجوز ستر الكعبة بالديباج، ويحل الحرير لإلباس الكعبة.
وأما باقي المساجد: فقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لا بأس بستر المسجد بالثياب من غير الحرير، وأما الحرير: فيحتمل أن يلحق بالتزيين بقناديل الذهب والفضة، ويحتمل أن يكون قولًا واحدًا؛ لأن أمره أهون، ولم تزل الكعبة تستر بالحرير، فلا يبعد إلحاق غيرها بها، قلت: وفي فتاوى الغزالي: لا فرق في الإباحة بين الكعبة، وغيرها؛ لأن الحرير إنما حرم على الرجال لا على النساء، فكيف الجمادات، والمساجد، ثم رأيت في فتاوى قاضي القضاة أبي بكر الشامي أنه لا يجوز أن يعلق على حيطان المسجد ستورًا من حرير، ولا من غيره، ولا يصح وقفها عليه، وهي باقية على ملك الواقف. اهـ.
وترميم المساجد عند الحاجة إليه عمل مشروع كذلك، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: للترميم في اللغة معان، منها: الإصلاح، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، والترميم قد يكون بقصد التقوية إذا كان الشيء معرضًا للتلف، وقد يكون بقصد التحسين، وترميم المساجد لا يخرج في معناه، أو الغرض منه عما سبق، وترميم المساجد من عمارتها المأمور بها شرعًا، والعمارة فرض كفاية إن قام بها بعض المسلمين سقط الإثم عن الباقين، قال الله تعالى: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ـ قال القرطبي: أثبت الإيمان في الآية لمن عمر المساجد بالصلاة فيها وتنظيفها وإصلاح ما وهي منها، وآمن بالله ـ وقال القليوبي: عمارة المسجد هي البناء، والترميم، والتجصيص للإحكام، ونحو ذلك، وأجرة القيم ومصالحه تشمل ذلك، وقال: لو زاد ريع ما وقف على المسجد لمصالحه، أو مطلقًا ادخر لعمارته، وله شراء شيء به مما فيه زيادة غلته، ولو زاد ريع ما وقف لعمارته ولم يشتر منه شيء، ويقدم عمارة عقاره على عمارته وعلى المستحقين وإن لم يشترطه الواقف، كذا في العباب. اهـ.
وقال ابن عثيمين: ترميم المساجد على أقسام:
القسم الأول: ترميم كمالي لا حاجة إليه، فهذا أخشى أن يكون المرمم إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة؛ لأنه إذا كان لا حاجة إليه، ولكن ليس فيه إلا تجميل المسجد صار فيه إضاعة مال بلا فائدة، والمال الذي تنفقه على هذا الترميم أنفقه في مساجد أخرى ينتفع الناس بها.
القسم الثاني: ترميم دعت الحاجة إليه دون الضرورة، مثل أن يكون البلاط قد تقشع، أو التلييس قد تقشع، ولكن المسجد قائم، فهذا يؤجر عليه الإنسان؛ لأن فيه تنظيفاً للمسجد، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيَّب.
القسم الثالث من الترميم: ترميم تدعو إليه الضرورة، كتصدع الجدران في مساجد الطين، وتصدع الجسور في مساجد المسلح، وما أشبه ذلك، فهذا يعطى حكم بنائها؛ لأن ترميمها ضروري. اهـ.
وأما الشق الآخر من السؤال: فإذا كان هذا الشخص قد ظلمك، فيجوز لك الدعاء عليه، فإن الشرع قد أذن للمظلوم أن يدعو على من ظلمه، كما قال سبحانه: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا {النساء:148}. قال ابن عباس في تفسيرها: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلومًا، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: إلا من ظلم ـ وإن صبر فهو خير له. أخرجه الطبري.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 54580.
والله أعلم.