السؤال
لا أعلم من أين أبدأ رسالتي، فالدموع تذرف على ما أصابني من ابتلاء، والأبواب مغلقة في وجهي، لا أعلم كيف أخرج من هذا المأزق.
أنا شاب سوري، رزقني الله الهداية، وبدأت الالتزام منذ بداية شبابي ولله الحمد، حيث إنني ترعرعت ضمن عائلة هاجرت إلى السويد، ولم يكن لديها أي التزام ديني سوى الصيام.
عرض علي وأنا في غربة الدين والدار امرأة سويدية، قد أسلمت منذ شبابها، وتعرضت (تلك المرأة) على إثرها إلى كافة أشكال التنكيل من طرف أهلها، حيث طردت من بيت أهلها، وتعرضت للتهديد بالقتل، وقاطعوها وتبرؤوا منها.
تزوجت بتلك المرأة، وكانت تحب الالتزام بدين الله، وتتجنب كافة محرماته، كما أنها تعلمت تلاوة القرآن، وحفظت منه جزءين على الأقل، كما التحقت بجامعة إسلامية (KIU) مقرها السعودية لتتعلم شرع الله عن بعد عبر الإنترنت، كما أنها نشطت في مجال الدعوة.
عاملت تلك المرأة أحسن معاملة يمكن لرجل أن يعامل بها امرأته، حيث إنني ناصرتها، وآويتها وأكرمتها، وعاشرتها بالمعروف، رزقني الله منها ببنت واحدة - ولله الحمد -، وكبرت ابنتي حتى أصبح عمرها خمس سنوات، فقدر الله أن يبتليني بأمر لم أتوقع حدوثه.
خلعت تلك المرأة لباسها الشرعي، وارتدت عن دينها، وخانتني في غفلة مني، وأخذت مني ابنتي، ووالت الكفار الذين هددوها وطردوها بالأمس، وأصبحت تسعى لتضل ابنتي عن سبيل الله، وأصبحت تطعمها لحم الخنزير، وقاطعت كل صديقاتها المسلمات، وأصبحت تدعو أصحاب النفوس الضعيفة إلى الكفر.
أصبحت أدعو (رب أخرجني وابنتي من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك ولياً، واجعل لنا من لدنك نصيراً)، لكن المسلمين أداروا ظهرهم عن نصرتي، والكفار يتربصون بي، وإن وجدت فرصة لأخرج مع ابنتي من هذا البلد فليس لي موطن أستقر فيه، وآمن فيه من الملاحقة، ليس إلا لأنني قلت ربي الله، ولأحمي ابنتي من شرور أمها المرتدة وأوليائها من الكفار.
هذه الرسالة هي أقرب إلى نداء استغاثة من طلب فتوى، فليس لي أحد سوى الله. قد كافأني الله من الناحية المادية، لكنني أفتقد إلى ملجأ أهاجر إليه.
فهل من نصير؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يفرج همك، وينفس كربك، ويقر بابنتك عينك، ونسأل الله لنا ولك، ولجميع المسلمين العافية من كل بلاء، وأن يرزقنا الصبر على الضراء، والشكر في السراء، فالمؤمن بين هاتين العبادتين العظيمتين؛ روى مسلم عن صهيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له.
ولمزيد الفائدة في فضائل الصبر راجع الفتوى رقم: 18103.
ومع الصبر نوصيك بالدعاء، فالله عز وجل مجيب دعوة المضطر وكاشف الضر، دعاه نوح عليه السلام فاستجاب له، ولم يخيب ظنه؛ قال تعالى: وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ {الأنبياء:76}. ودعاه أيوب عليه السلام الذي ابتلي بواحد من أعظم البلاء، فكشف ما به من ضر، كما قال سبحانه: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ {الأنبياء:84}.
ولا تيأس أيضا من أن تدعو لهذه المرأة أن يلهمها ربها رشدها، ويردها إلى صوابها بفضله ورحمته، وما ذلك على الله بعزيز، فهو الذي هداها أولا، وهو قادر على هدايتها ثانيا، فالقلوب بيده يقلبها كيف يشاء. فإن أسلمت كان ذلك خيرا لك ولها، وجنبت كثيرا من أسباب النكد والتعب.
ولو قدر لها أن تستمر على ردتها، فالواجب عليك السعي في تخليص ابنتك منها، فلا حق لها في حضانتها، فمن شرط الحضانة إسلام الحاضن، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 9779. فإن لم يتيسر لك تخليصها منها، فتعاهدها بتوجيهك، ورعايتك حتى تكبر البنت، وتتمكن من الاستقلال عن أمها.
ولا شك في أن الإقامة في بلاد الكفر من أعظم أسباب الفتنة بسبب المغريات، والعري، والتهتك. والهجرة إلى بلد مسلم قد تجب، أو تستحب باختلاف الأحوال، كما أوضحنا في الفتوى رقم: 144781.
والإقامة في بلد من البلاد المسلمين هي الأفضل على كل تقدير، فابذل جهدك في هذا السبيل، مستعينا بالرب العزيز الجليل، ومن أعظم الدعاء دعوات المكروب التي ورد بها الحديث الذي راوه أحمد وأبو داود عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت.
فإن تيسرت لك الهجرة، فبها ونعمت، وذاك المطلوب، وإن لم تتيسر لك، فاستعن بالله، واصبر حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا، واحرص على حضور مجالس العلم، وصحبة الأخيار متعاونا معهم على البر والتقوى.
والله أعلم.