السؤال
تعرفت إلى ابنة جيراننا، وأردت أن أتزوجها، ودعوت الله أن يرزقنيها، فتيسرت أموري معها في البداية، وقابلتها مرتين، وتكلمت معها بالمعروف، وكنت سعيدًا بذلك، وأرسلت والدتي لتخطبها لي، ولكن –للأسف- رفضت أمها ذلك، بحجة أنها صغيرة، وكأن الله تعالى أراد أن يبعدها عني، ولكنني كنت أدعوه على الرغم من ذلك أن يرزقنيها، ثم سافرت مع أهلها إلى دولة أخرى، وسألت عنهم، فقالوا لي: زيارة مؤقتة، وهذا هو الحال الآن، والسؤال: هذه الفتاة شغلت كل فكري، ولكني لم أغفل عن ربي، فهل في ذلك إثم؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان انشغال الفكر، وتعلق القلب بتلك الفتاة لا يد للشاب في حصوله، فلا تأثيم فيه -إن شاء الله-؛ لأن القدرة، والاختيار مناط التكليف، كما قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، إلا أن يتسبب ذلك الانشغال في الوقوع في محظور، كالنظر المحرم إلى صورتها، أو محادثتها بشهوة، أو أن يمنع من أداء واجب، كالإخلال بواجبات الصلاة وأركانها؛ لشدة ذلك الانشغال الذهني، فهنا يجب على العبد الأخذ بأسباب صرفه، ودفعه عن نفسه؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا بتركه يجب تركه؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
وأما إذا حصل ذلك التعلق بالفتاة، وانشغال الفكر بها بأسباب محرمة، كالنظر المحرم، والخلوة المحرمة، فهذا من التعلق المحرم؛ لحرمة أسبابه، فيجب على العبد التوبة منه، والإقلاع عنه، والأخذ بأسباب التخلص منه.
يقول الإمام ابن القيم: فمتى كان السبب واقعًا باختياره، لم يكن معذورًا فيما تولد عنه بغير اختياره، فمتى كان السبب محظورًا، لم يكن السكران معذورًا، ولا ريب أن متابعة النظر، واستدامة الفكر بمنزلة شرب المسكر، فهو يلام على السبب. اهـ من روضة المحبين ونزهة المشتاقين.
وينظر في كيفية علاج التعلق القلبي، والانشغال الفكري بالفتاة الفتوى رقم: 249184، والفتوى رقم: 9360، هذا بالنسبة لانشغال الفكر، وتعلق القلب.
وأما بالنسبة لنكاحها، فالذي ننصح السائل به إن كانت الفتاة متدينة، هو ما أرشد إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم حيث قال: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني، وحيث قال: خير متاع الدنيا المرأة الصالحة. رواه مسلم.
فعلى الشاب السعي في طلبها، وإقناع وليها بذلك، فليس لهم منعها من نكاح الكفء بحجة الصغر إذا كانت بالغة، فإن أصروا على المنع، فاصرف النظر عنها، واتق الله، فإن الله جاعل لك مخرجًا، ورازقك من حيث لا تحتسب.
والذي ننصح الشاب به على كل حال هو ألا يجعل فكره أسيرًا لمخلوق مهما كان، فإن ذلك يحرم الفكر من التدبر، والقلب من الأنس بالله، ويورثه حزنًا وغمًّا، وقد بينا جانبًا من الآثار السلبية لهذا التعلق في الفتوى رقم: 117632.
والله أعلم.