الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنواع الخواطر، وهل تدفع بالاستدلال، والواجب عند طروئها

السؤال

عانيت لفترات طويلة من الوساوس، فهل يكفر الإنسان بالشبهات إن كانت فعلا الوساوس قد تحولت إلى شبهه يقينا؟ وما الفرق بين الشبهة في نقطة معينة والتفكير فيها والبحث في الدليل للتثبت منها ودفع الشبهة وبين الشك في الدين، أقصد الفرق بين الشبهة والشك، وليس الوسوسة والشك؟ والحديث الشريف الذي في مقتضاه أنه على الموسوس أن يستعيذ ويتفل ثلاثا عن يساره ويقول آمنت بالله ورسله ـ هل يعني أنه كلما جاء خاطر أو حديث نفس وجب علي الإنسان ذلك في كل مرة؟ أم هذا في حالة استرسال الإنسان في فكرة معينة وسيطرتها فيدفعها بذلك؟ وهل يأثم من يتجاهل الفكرة تماما دون الاستعاذة وتطبيق مضمون الحديث الشريف وذلك في الخواطر السريعة عند كثرتها؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تصير الوسوسة شبهة، ولا يكفر صاحبها بها، ولكن عليه سؤال أهل العلم عن جوابها، وانظر الفتوى رقم: 43339.

قال النووي في شرح مسلم: قال الإمام المازري رحمه الله: ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها، قال: والذي يقال في هذا المعنى أن الخواطر على قسمين: فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل، إذ لا أصل له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة، فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها ـ والله أعلم ـ وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فليستعذ بالله ولينته ـ فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه، وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها والله أعلم. انتهى.

وإنما يكفر بالشك الذي هو استواء الأمرين، كأن يشك في أن هناك يوم القيامة، لا من طرأت عليه وسوسة، وانظر صفة كفر الشك ضمن الفتوى رقم: 38537.

وانظر الفتويين رقم: 42919، ورقم: 120582.

وأما وجوب الاستعاذة: فهو ظاهر الحديث، قال العراقي في طرح التثريب: الثالثة: وفيه أن ذلك من وسوسة الشيطان، وأنه يحرم النطق به ويجب الإعراض عنه، ودفعه عن الخاطر، وأن يلجأ الإنسان إلى الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان ليكفيه شر وسوسته وفتنته، وإليه الإشارة بقوله تعالى: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم {فصلت: 36} وسبب ذلك أنه لا سبيل إلى محاسنة الشيطان لتأصل عداوته وتأكدها، وأنه لا يدفع كيده إلا الاستعاذة بالله تعالى منه.

وقال القاري في المرقاة: فيجب عليه أن يلتجئ إلى مولاه، ويعتصم بالله من الشيطان الذي أوقعه في هذا الخاطر الذي لا أقبح منه؛ فيقول بلسانه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويلوذ بجنابه إلى جنابه أن يدفع عنه شره، وكيده، فإنه مع اللطف الإلهي لا أضعف منه، ولا أذل، فإنه مشبه بالكلب الواقف على الباب، ولذا قال تعالى: إن كيد الشيطان كان ضعيفا { النساء: 76 } أي: بالنسبة إلى القوة الإلهية. انتهى.

وعلى هذا، فالظاهر أن من ترك الاستعاذة في هذا الموضع وهو يعلم بوجوبها استحق الإثم، ولا يوجد أي مشقة ـ إن شاء الله ـ في الاستعاذة، والحرص على لزوم السنة، ولو مستحبة من أحسن السبل للبعد عن طريق الشيطان، فالزمها ما استطعت، ولو تكرر ذلك، فالحديث عام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني