السؤال
ما هي حدود العلاقة، والتعامل بين الأصدقاء؟! وهل في زيارتي لصديقتي ثواب عند الله؟!
وهل للصحبة الصالحة فائدة في الآخرة؛ حيث إن لي صديقة أحسبها ذات خُلق، ودين. وقابلت في حياتي الكثير، ولم أجد مثلها في تدينها، وأخلاقها ( أحسبها كذلك، ولا أزكيها على الله ) لذا فقد اتخذتها خليلتي، ورفيقتي في الدنيا والآخرة. ولكن في الفترة الأخيرة وجدتها تكتم عني مشاكلها، وحتى إن مرضت لا تخبرني، معللة بأن ذلك يُعتبر شكوى من الله، وأن هذا أفضل! رغم أنني أنا وهي نعلم جيداً أنّه ليس لنا سوى الدعاء إن كان مرضا، أو المساعدة في حل مشكلات بعضنا البعض إن استطعنا.
فهل ما تقوله بأنها شكوى من الله، أو بأن هذا أفضل صحيح؟! أو ليس الصديق وقت الضيق؟! أو ليس صديقي هو من يقاسمني همومي؟!
أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في فتاوى سابقة حدود العلاقة بين الأصدقاء، فانظريها في أرقامها التالية: 8424، 140387، 183855.
وأما عن ثواب زيارتك لصديقتك، فقد أطلق النووي- رحمه الله- استحباب زيارة الصالحين، والأصدقاء ونحوهم.
فقال في الأذكار: ويستحبّ استحباباً متأكداً زيارة الصالحين، والإِخوان، والجيران، والأصدقاء، والأقارب، وإكرامهم، وبِرُّهم، وصلتهم؛ وضبطُ ذلك يختلفُ باختلافِ أحوالهم، ومراتبهم، وفراغهم. وينبغي أن تكون زيارتهُ لهم على وجهٍ لا يكرهونهُ، وفي وقتٍ يرتضونهُ. انتهى.
وقد استدل بما رواه مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله على مدرجته ملكاً. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها، قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين عند هذا الحديث: الله سبحانه وتعالى يثيب من زار أخاه، أو عاده في مرضه، فيقال له: طبت، وطاب ممشاك. ويقال لمن زار أخاه لغير أمر دنيوي، ولكن لمحبته في الله: إن الله أحبك كما أحببته فيه. والزيارة لها فوائد فمع هذا الأجر العظيم، فهي تؤلف القلوب، وتجمع الناس، وتذكر الناسي، وتنبه الغافل، وتعلم الجاهل، وفيها مصالح كثيرة يعرفها من جربها. انتهى.
وأما عن فضل الصحبة في الآخرة. فإذا كانت لله فلها فضل وثواب؛ إذ هي من جملة الأعمال الصالحة التي يثاب العبد عليها، وكذلك لها فضل خاص، وهو أن يشفع الصاحب في صاحبه إذا دخل النار؛ فقد روى البخاري ومسلم في حديث طويل عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه-، وفيه: ... يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ. انتهى.
وقد نقل البغوي- رحمه الله- في تفسيره عن الحسن البصري- رحمه الله- قوله: استكثروا من الأصدقاء المؤمنين؛ فإن لهم شفاعة يوم القيامة. انتهى.
وأما سؤالك عن الشكوى. فقد فصل فيها القول ابن القيم- رحمه الله- في عدة الصابرين فقال: لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخط، والجوارح عن اللطم، وشق الثياب ونحوها. كان ما يضاده واقعا على هذه الجملة، فمنه الشكوى إلى المخلوق. فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوق مثله، فقد شكا من يرحمه إلى من لا يرحمه. ولا تضاده الشكوى إلى الله كما تقدم في شكاية يعقوب إلى الله مع قوله: فصبر جميل. وأما إخبار المخلوق بالحال. فإن كان للاستعانة بإرشاده، أو معاونته، والتوصل إلى زوال ضرورة. لم يقدح ذلك في الصبر كإخبار المريض للطبيب بشكايته، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به بحاله، وإخبار المبتلى ببلائه لمن كان يرجو أن يكون فرجه على يديه، وقد كان النبي إذا دخل على المريض يسأله عن حاله، ويقول: كيف تجدك؟ وهذا استخبار منه، واستعلام بحاله. انتهى.
وراجعي الفتوى رقم: 28045، ورقم: 191369.
والله أعلم.