السؤال
يحتفظ أبي بماله في أحد البنوك الربوية، ويحصل على فائدة ثابتة. وقد حاولت إقناعه بسحب هذا المال من هذا البنك، ولكنه أخبرني بأن بعض المفتين قد أفتوا بأنها حلال.
وسؤالي هو: هل يجوز لي التصدق بهذه الفوائد دون علمه، خصوصا أنه يطلب مني أن أحضر له المال من البنك؟
وهل يجوز أن أخرج قيمة الفائدة من مالي حتى لا آخذ شيئا من ماله بغير رضاه؟ أو أخرج قيمة الفائدة من ماله، ثم أضع له بدلا منها من مالي الخاص؟
وكيف يمكن تقدير الفوائد السابقة، مع أني لا أعلم متى أودع ماله في هذا البنك؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمما لا ريب فيه أن فوائد البنوك الربوية محرمة، والقول بإباحتها قول مردود، لا يلتفت إليه، ولا يعول عليه، فبين لوالدك ذلك بحكمة، وموعظة حسنة؛ لعله يرعوي، ويكف عن إيداع ماله في البنك الربوي، وأخذ تلك الفوائد المحرمة عنه.
ولأنه يزعم أنه فعل ما فعل بناء فتوى منسوبة لبعض أهل العلم، فقد يكون له في ذلك عذر أمام الله إن لم يكن متبعا لهواه، متتبعا للرخص، وزلات العلماء.
وقد وجه للشيخ ابن عثيمين سؤال عن مثل هذا جاء فيه:
فضيلة الشيخ! السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته، لي أخ يعمل في أحد البنوك الربوية، قد تحدثتُ معه في هذا الأمر، ولكنه يعتمد في صحة شرعية عمله على فتوى الشيخ محمد سيد طنطاوي، مفتي مصر آنذاك، وعند عودتنا إلى مصر في العطلة الصيفية، فإنه يدعوني وأسرتي إلى تناول الطعام في بيته، وليس له دخل سوى مرتبه من هذا العمل.
فهل لي أن ألبي الدعوة حرصاً على صلة الرحم أم لا؟ وهل يجوز إعطاؤه مبلغاً من المال على سبيل الهدية، بنية أنه إذا دعاني للطعام عنده، أكون بذلك قد أكلت من مالي حفاظاً على صلة الرحم؟
أفتونا، جزاكم الله خيراً؟
الجواب: أقول: إذا كان هذا الرجل صادقاً في أنه اتبع فتوى هذا العالم، وليس قصده تتبع الرخص، فليس عليه إثم أصلاً؛ لأن الله يقول: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، وهذا قد اقتدى بعالم، وليس عليه شيء، كما لو أن إنساناً أكل لحم جزور، وسأل عالماً من العلماء فقال له: إن أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء، فصلى وهو آكل لحم الجزور. فهل تبطل صلاته؟ لا.
هذا الذي أكل الربا محتجاً بقول عالم، مقلَّدٍ للفتيا، ليس قصده الهوى، واتباع الرخص، لا شيء عليه، هذا من حيث عمل أخيك.
أما الذي نرى أن فتوى مفتي مصر في هذا الباب خطأ، وغلط، وأنه لا فرق بين الربا الاستثماري، والربا الاستغلالي، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ إليه بتمر طيب فسأل، فقالوا: كنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: (هذا عين الربا)، وأمر برده، وهذا واضح أنه ليس به استغلال، وليس به ظلم، ومع ذلك حرمه النبي عليه الصلاة والسلام، فالفتوى غلط.
وعلى هذا فنرى أن أخاك ما دام يعين على أكل الربا، ويكتبه، ويشهد به نرى أنه آثم، وأنه يجب عليه التخلي عنه؛ لكن إن أصر وبقي، وذهبتَ أنت إليه، وأكلت مما عنده فلا بأس، ولا إثم عليك، حتى وإن كنت تعتقد أن هذا حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثَبَتَ عنه أنه أكل من طعام اليهود، واليهود كما تعلمون أكالون للسحت، آخذون للربا، ولم يسأل الرسول يقول: هل تعاملتم بالربا أو لا؟ فدل ذلك على أنه يجوز للإنسان أن يأكل ممن كَسْبُه حرام، ولا إثم عليه، ولكن لا تيأس، أكثر من النصيحة لأخيك لعل الله يهديه، وبشره أنه إن تاب فله ما سلف، كل ما كسبه قبل ذلك فهو له حلال؛ لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275]. لا سيما إذا كان مستنداً إلى فتوى يرى أنها صحيحة. نسأل الله أن يرزقني وإياكم علماً نافعاً، وعملاً صالحاً. انتهى.
وبناء على ما سبق، فلا تألوا جهدا في نصح والدك بترك التعامل مع البنك الربوي. ولا تتصرف في ماله بدون إذنه، وليس عليك أن تخرج عنه من مالك بقدر الفوائد التي يأخذها، لكن لو شئت التبرع عن أبيك بصدقة ليكون أجرها له، وثوابها في ميزان حسناته، فلا حرج عليك في ذلك، بل هو من فعل الخير والبر به. ولعله يجد ثواب تلك الصدقة يوم القيامة أحوج ما يكون إليه، حيث لا دينار ولا درهم وإنما هي حسنات، وسيئات.
والله أعلم.