السؤال
سؤالي هذا لفضيلتكم بسبب الأوضاع في بلدي، وانقسام الناس إلى فريقين، ومعاونة الكثير منهم للظالمين، ومنهم بعض أقاربي، وتأييدهم لقتل المسلمين، وللظلم، أو كرهًا في طائفة من المسلمين، فأصبحت لا أطيق التعامل مع أقاربي كما كنت في السابق، وأنا أعمل ومقيم خارج بلدي، ومعي زوجتي وأولادي، وبعيد عن باقي أهلي، وأرفض تعدد المكالمات معهم، وأرفض نزولي الإجازة لأنني أخشى أن يكثر الاحتكاك بهم، فيظهر لي منهم ما يؤدي إلى قطع الرحم تمامًا، أو خروجي عن شعوري في التعامل معهم، وحدوث مشاكل أكبر، وخاصة أنني بطبيعتي عصبي، وشديد في ردودي، ودفاعي عن الحق وديني، فهل مجرد جعل العلاقة عادية جدًّا دون مشاكل أفضل؟ وهل يأثم المرء على مثل هذا؟ أم إنه يعد قاطعًا لرحمه، وللعلم فإن تحاشيه إياهم من باب إظهاره عدم الرضى بقتل المسلمين، وتأييد الظالم، أرجو أن يكون الرد عن نوعين من الأقارب لعلمي باختلاف وضعهم، وهم الأب، والأم من ناحية، والإخوة وباقي الأقارب من ناحية أخرى، وما الطريقة المثلى للتعامل مع هاتين الفئتين في تلك الحالة والظروف -جزاكم الله خيرًا، وبارك فيكم-؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن تأييد قتل الناس بغير وجه حق، والوقوف مع الظالم ذنب عظيم، يستوجب التوبة إلى الله تعالى، وهو ذنب يُشارك فيه الراضي القاتلَ والظالمَ في الإثم، فقد روى أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إِذَا عُمِلَتْ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا ـ وَقَالَ مَرَّةً أَنْكَرَهَا ـ كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا. اهـ.
وإذا وُجِدَ من أقاربك من يفعل ذلك، وعلمت أنه لا صبر لك على نصيحته ومناقشته، وخشيت إن جالسته أن يدافع عن الباطل وأهله، فيمكنك أن تطلب منهم عدم الخوض معك في ذلك الموضوع؛ حفظًا لصلة الرحم التي بينكم، فإن لم يستجيبوا لطلبك فلا حرج عليك في الاقتصار على أقل ما تُؤدي به حقَّ صلةِ الرحم، وإن علمت أن هجرك له ربما أدى لرجوعه وأوبته للحق، فإن هجره مشروع؛ إذ إن هجر القريب العاصي يدور مع المصلحة، فإذا وجدت مصلحة في هجره جاز، ولو كان أخًا أو أختًا إلا أننا نظن أن كثيرًا من أهل المعاصي في هذا الزمن لا يزيدهم الهجر إلا مكابرةً وتماديًا في معصيتهم، فلا فائدة غالبًا في هجرهم، وانظر الفتوى رقم: 218326.
وأما الوالدان: فشأنهما عظيم ليس كشأن بقية الأقارب، ولا يجوز هجرهما إذا جادلاك، أو أحدهما في أمر لا ترضاه ولو كان معصية، وحسبك أن تنصحهما بلطف، مع كامل الأدب والتوقير، فإن لم يستجيبا فاجتهد لهما في الدعاء، وفي الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل في أمر الوالدين بالمعروف ونهيهما عن المنكر: قال أحمد في رواية يوسف بن موسى: يأمر أبويه بالمعروف وينهاهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه يعلمه بغير عنف، ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. اهـ.
وذكر القرافي ـ رحمه الله ـ في كتابه الفروق: أن الوالدين يؤمران بالمعروف وينهيان عن المنكر، قال مالك: ويخفض لهما في ذلك جناح الذل من الرحمة. اهـ
وانظر الفتويين رقم: 224710، ورقم : 18216، في أدب الاحتساب على الوالدين.
والله أعلم.