الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يرد الولد الهبة لكون أمه فضلته بها على أولادها

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السادة أصحاب الفضيلة:
أنا متزوج، ومستقل بمعيشتي عن والدي- حفظهما الله- وأجد كفايتي، وكفاية زوجي، وأولادي والحمد لله.
وفي ذات يوم وهبتني أمي مبلغا من المال. وعندما سألتها هل أعطيت إخواني مثل ذلك، أخبرتني بأنها أعطتهم بعض المبالغ، إلا أني لاحظت أن هذه المبالغ أقل بكثير مما أعطتني، وعندما راجعتها في ذلك قالت: هذه أموالي، وأنا حرة فيها، وليس لأحد دخل في ذلك.
وعندما استشرتها في إخبار إخواني حتى أضمن رضاهم، لم ترغب أمي في ذلك.
والغالب على ظني أنها فعلت ذلك؛ لما تراه من تفاوت ظاهر في المستوى بيني وبين إخواني، فإخواني لديهم شقق غير الشقة التي يسكنونها، كما أن عندهم سيارات، ومن ليس عنده سيارة، فالسبب أنه لا يرغب، وليس أنه عاجز عن تكاليفها. ومع ذلك فأنا أجد كفايتي، وكفاية من أعولهم كما ذكرت، ولكني لا أملك إلا الشقة التي أسكنها، وليس عندي سيارة، علما بأن هذا الفارق في المستوى بيني وبين إخواني، لم يكن بتسبب من أبي ولا أمي.
والسؤال: هل يحل لي أن أنتفع بجميع هذا المال، أم يلزمني أن أضعه مثلا في حسابها بغير علمها؟
وإن وضعته في حسابها بدون علمها، ثم بدا لها بعد ذلك أن تعطي إخواني مثل ما أعطتني.
فهل يجوز لي حينئذ أن أسترجع ما أودعته في حسابها دون علمها أيضا، حيث إن عندي توكيلا منها بالسحب، والإيداع؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن المفتى به عندنا أنه يجب التسوية بين الأبناء في العطية، وهو مذهب الحنابلة، خلافا للجمهور، كما سبق في الفتوى رقم: 104031 .

لكنه يجوز التفضيل لمسوغ كحاجة الولد ونحو ذلك.

قال ابن قدامة في المغني: فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده؛ لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة. والعطية في معناه. ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل، أو التخصيص على كل حال؛ لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل بشيرا في عطيته، والأول أولى إن شاء الله؛ لحديث أبي بكر - يعني ما ورد أن أبا بكر - رضي الله عنه - نحل عائشة ابنته جذاذ عشرين وسقا، دون سائر ولده -، ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية، فجاز أن يختص بها، كما لو اختص بالقرابة. وحديث بشير قضية في عين لا عموم لها، وترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال. اهـ.

وفي حال كون التفضيل غير سائغ، ولم يرض إخوتك به، فيجب عليك رد ما فضلت به إلى والدتك، أو مقاسمة أخوتك فيه.

قال ابن تيمية: ولا يجوز للولد الذي فضل أن يأخذ الفضل؛ بل عليه أن يرد ذلك في حياة الظالم الجائر، وبعد موته، كما يرد في حياته في أصح قولي العلماء. اهـ.

وقال: لا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل؛ بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به. اهـ. من مجموع الفتاوى.

ويسوغ رد ما فضلت به بإيداعه في حساب والدتك دون علمها، لكن لا يجوز لك أخذه من حسابها بعد ذلك بدون علمها.

وانظر للفائدة الفتوى رقم: 6242 ، والفتوى رقم: 122839 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني