السؤال
ما معنى ألا يكون في قلب العبد غير الله العظيم؟ وما معنى قول إبراهيم -عليه السلام-: "واجعل لي لسان صدق في الآخرين"؟ وهل كان هذا من الحظوظ المباحة؟
ما معنى ألا يكون في قلب العبد غير الله العظيم؟ وما معنى قول إبراهيم -عليه السلام-: "واجعل لي لسان صدق في الآخرين"؟ وهل كان هذا من الحظوظ المباحة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه العبارة يعنى بها سلامة القلب من التعلق بغير الله تعالى وأن يكون الله تعالى أحب إليه من كل شيء، كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ {البقرة:165}.
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: ومن علامات صحة القلب أنه لا يزال يضرب على صاحبه؛ حتى ينيب إلى الله، ويخبت إليه، ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه الذي لا حياة له، ولا فلاح، ولا نعيم، ولا سرور إلا برضاه، وقربه، والأنس به، فبه يطمئن، وإليه يسكن، وإليه يأوي، وبه يفرح، وعليه يتوكل، وبه يثق، وأياه يرجو، وله يخاف، فذكره: قوته، وغذاؤه. ومحبته، والشوق إليه: حياته، ونعيمه، ولذته، وسروره. والالتفاف إلى غيره، والتعلق بسواه: داؤه. والرجوع إليه: دواؤه. فإذا حصل له ربه سكن إليه، واطمأن به، وزال ذلك الاضطراب، والقلق، وانسدت تلك الفاقة، فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله تعالى أبدًا، وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له، وعبادته وحده، فهو دائمًا يضرب على صاحبه حتى يسكن، ويطمئن إلى إلهه ومعبوده، فحينئذ يباشر روح الحياة، ويذوق طعمها، ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق، ولأجله خلقت الجنة والنار، وله أرسلت الرسل، ونزلت الكتب، ولو لم يكن جزاء إلا نفس وجوده لكفى به جزاء، وكفى بفوته حسرة وعقوبة.
وقال في المدارج: من مفسدات القلب: التعلق بغير الله تبارك وتعالى، وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق، فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه، وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل، قال الله تعالى: واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزًا، كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًا {مريم: 81ـ82} وقال تعالى: واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون * لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون {يس:74-75} فأعظم الناس خذلانًا من تعلق بغير الله، فإن ما فاته من مصالحه، وسعادته، وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال، والفوات. ومثل المتعلق بغير الله: كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، أوهن البيوت. اهـ.
وراجع في تفسير الآية الفتوى رقم: 128004.
ولا شك أن السؤال بمثل سؤال إبراهيم ـ عليه السلام ـ مباح إذا قصد المرء ما أراد إبراهيم من بقاء ذكره لاقتداء الناس به في الخير، وكان مخلصًا في عمله، كما قال أهل التفسير: واجعل لي لسان صدق في الآخرين ـ أي واجعل لي ذكرًا جميلًا بعدي أذكر به، ويقتدى به في الخير.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن في تفسيره للآية المذكورة: المسألة الثالثة: قال المحققون من شيوخ الزهد: في هذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني