الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكن أن يوفق من فعلت به الفاحشة وتاب عنها لطلب العلم؟

السؤال

شاب ابتلي بعشق فتى أمرد وهو في الثانوية، وكانا يسكنان معًا في نفس الغرفة وحدهما، ثم بعد فترة حدثت بينهما الفاحشة الكبرى، وهذا الشاب المفعول به الآن يريد أن يتوب، ففارق المكان رغم ألم قلبه من فراق معشوقه، وتأتيه خواطر أن من هذه حاله لن يوفق للتوبة، ويحب طلب العلم، فهل من هذه حاله يمكن أن يكون طالبًا للعلم؟ وهل يمكن أن يوفق للعلم الصالح، وينسى معشوقه وما حدث؟ أم سيصير هذا وبالًا عليه طول عمره؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أحسن هذا الشاب بفراقه لمعشوقه، وتوبته إلى الله، فإن الله تعالى يقول في محكم كتابه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم.

وفي الحديث القدسي: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن ـ وصححه الألباني.

وفي قصة الرجل الذي قتل مائة نفس ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم حكما، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة. رواه مسلم.

قال النووي: قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب، والإخوان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح، والعلماء والمتعبدين الورعين، ومن يقتدي بهم، وينتفع بصحبتهم، وتتأكد بذلك توبته. اهـ.

وأما عن التوفيق لطلب العلم: فلا يمنع منه سوابق الذنوب، فإن التوبة تهدم ما قبلها، وقد جرب نجاح التائبين في تحصيل العلم، وفي الدعوة، والجهاد، وأعمال الخير، فالصحابة قبل إسلامهم وقعوا في كثير من كبائر الذنوب والمعاصي، وأعظم ذلك الشرك بالله، ولكن لما أسلموا وتابوا صاروا أئمة وأعلامًا، نصر الله بهم الدين، وهدى بهم خلقًا كثيرًا، بل لم يصل إلينا الدين إلا من خلالهم، وقد ذكر ابن كثير في البداية، والذهبي في السير، وابن هبة الله في تاريخ مدينة دمشق، والقرطبي في التفسير: أن الفضيل كان لصًّا يقطع الطريق، وكان يعشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها في ليلة من الليالي سمع صوت قارئ يقرأ القرآن ويتلو: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ {الحديد:16} فلما سمعها قال: بلى قد آن، فتاب إلى الله تعالى، ثم أصبح عابد الحرمين.

وراجع قصته وحياته في سير أعلام النبلاء، وتهذيب التهذيب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني