الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن خلال ما ذكرت من أعراض يغلب على الظن أن هذه بعض علامات الإصابة بشيء من العين أو المس، فوصيتنا لك بالاستمرار في الرقية الشرعية، ولا بأس بأن يرقيك غيرك من الصالحين المستقيمين على العقيدة الصحيحة، والبعيدين عن الدجل والشعوذة، مع التزام الستر والحجاب، وعدم الخلوة، إذا كان الراقي رجلا أجنبيا عنك، ويمكنك مراجعة علامات المسحور ونحوه في الفتوى رقم: 7970.
والفرق بيان الراقي والمشعوذ في الفتوى رقم: 22876.
ويمكنك الرقية على يديك ومسح جسدك بهما، أو الرقية في ماء والشرب منه، أو غسل الجسد به ونحو ذلك، وللمزيد فيما يتعلق بالرقية الشرعية راجعي الفتويين رقم: 4310، ورقم: 97870.
والله عز وجل قادر على أن يبطل السحر أو المس بما شاء من الوسائل، فيمكن أن يحدث استفراغ مثلا، أو يبطله الله عز وجل هكذا من غير أن يحدث شيء معين، والذي ينبغي هو الاجتهاد في أمر الرقية، وترداد الأذكار ونحوها مما يعين على صرف هذا البلاء، ولا يبعد أن يكون قد تلبس بالمريض أكثر من واحد، ولكن أمور الجن من الغيب، فلا يمكن الجزم فيها بشيء، ولا يصدق الجن فيما يذكرون عند مخاطبتهم وكلامهم على لسان المسحور، كأن يخبروا بعدد معين، ونحو ذلك مما يتكلمون به، فلا ينبغي الالتفات إلى مثل هذا، ومن أساليب الجن مع الإنس أسلوب التخويف والتهويل، فإذا ضعف الإنسان فإن الجن يتعاظم، قال تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا {الجن:6}.
قال ابن كثير: أي كنا نرى أن لنا فضلا على الإنس، لأنهم كانوا يعوذون بنا أي إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوؤهم، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقا أي خوفا وإرهابا وذعرا حتى يبقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم....
فكون الشيطان يحاول التحكم في الإنسان وتصرفاته صحيح، ولكن ينبغي استحضار أن كيده ضعيف، فاحرصي على ما فيه مصلحتك من زواج أو غيره، ولا تلتفتي إلى أي هواجس تنتاب قلبك تتعلق بمس العاشق أو غيره، وكذا الخواطر التي تتعلق بأن الجن إذا خرج ربما خرج بروحك، فكل هذا من تشويش الشيطان وتهويله، فإذا انتابتك فاستعيذي بالله من همزات الشياطين، قال الله سبحانه: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ {المؤمنون98:97}.
والانتحار أن يعمد الإنسان إلى قتل نفسه طائعا مختارا، فلا يدخل فيه موت الإنسان بأي سبب آخر ليس له فيه قصد واختيار، ومن هذا الأخير لو قدر أن مات المريض أثناء الرقية الشرعية، ولا يبعد أن يكون ذلك علامة خير، لكونه مات في لحظة ذكر وتلاوة للقرآن، وتحصين المسلم نفسه من الأمور المهمة جدا، ووسائل التحصين كثيرة، ومنها الطاعة وخاصة المحافظة على الفرائض، وكذا المداومة على أذكار الصباح والمساء، وكلما داوم المسلم على الأذكار كان في حال هو أحصن فيه من الشيطان، ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 7427.
والدعاء سلاح المؤمن الذي لا ينبغي له التخلي عنه بحال، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء، كما ورد في الحديث الصحيح، وربنا سبحانه يحب أن يدعى، ويغضب إذا لم يدع. فنوصيك بالاستمرار في الدعاء، وحسن الظن بالله، هو عند ظن عبده به، وإحساسك بأن الله لن يستجيب لك يتنافى مع حسن الظن بالله، فإنك تتعاملين مع رب كريم، يعطي على القليل الكثير، وهو سبحانه فضله عظيم، وخزائنه ملأى لا تنفد، ففي الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال لي: أنفق أنفق عليك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماء والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه.
ومعنى لا تغيضها: لا تنقصها، ومعنى سحّاء: كثيرة العطاء والبركة.
ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 119608.
ونوصيك بالحجاب، وتغطية وجهك، فإن ستر المرأة وجهها عن الأجانب واجب على الراجح، وبهذا تسلمين ـ إن شاء الله ـ من نظر العائنين والحاسدين، وإذا شعرت بمن ينظر إليك وخشيت العين فاعتصمي بالله وتوكلي عليه أنه يدفع عنك العين، فلا تصيبك ـ إن شاء الله ـ نسأل الله أن يشفيك، ومن كل شر وبلاء يعافيك، وأن يرزقك زوجا صالحا تسعدين به وترزقين منه ذرية صالحة تكون قرة عين لكما وذخرا في الدنيا والآخرة، إن ربنا سميع مجيب، وهو على كل شيء قدير، وكل شيء عليه يسير.
والله أعلم.