السؤال
لدي مشكله من شقين: شرعي وطبي، مشكلتي أني بعد الغائط أو عند حبس الغائط تخرج مادة لزجة، وإذا قمت بغسل المخرج يعود مرة أخرى، وسؤالي يتعلق بالمذهب المالكي؛ لأنه أيسر وأرفق، خاصة أني أعاني من الوساوس، حيث قال المالكية أنه يعفى عن صاحب السلس ما يصيب ثوبه وبدنه من النجاسة، ولا يشترط عندهم وضع مانع لانتشار النجاسة، وهذه الرخصة لو أتى السلس في اليوم ولو مرة، هذه الكلمة "في اليوم ولو مرة" تحتاج شرحا، يعني إذا كان السلس يأتي كل يوم ونصف مثلا أو يأتي يوما ويذهب يوما، وبعض الأوقات يأتي كل يوم، فهل يأخذ عند المالكية الرخصة من عدم تطهير الثوب والبدن؟
وأيضا يشترطون عدم القدرة على التداوي، وأنا لا أعرف إن كان لي علاج أم لا، وزيارة الطبيب محرجة بمثل حالتي؛ لأن الأطباء يقومون بفحص سريري، وهذا محرج جدا، ولا أرغب بزيارة الطبيب، لكن هل لي رخصة في المذهب المالكي بعدم تطهير ما يصيب البدن والثوب إن لم أذهب للطبيب بداعي أن هذا محرج؟ وهل السلس إذا لم ينضبط بحيث تارة يأتي كل يوم، وتارة كل يوم ونصف، وتارة يأتي يوما ويذهب يوما، يأخذ بالرخصة عند المالكية من عدم تطهير ما يصيب البدن والثوب؟ وهل عدم التداوي لصاحب السلس بداعي الخجل والإحراج يمنع الرخصة عند المالكية؟ وهل يجوز الجمع بين أكثر من مذهب، فمثلا آخذ بالقول بعدم اشتراط التداوي، وآخذ بمذهب المالكية بالعفو عما يصيب الثوب والبدن من السلس، وعدم اشتراط وضع مانع لانتشار النجاسة، وأيضا آخذ بمذهب الوضوء والصلاة مع دخول الوقت وعدم انتظار انقطاع السلس؟ لأن هذا الجمع قد يبعد المشقة، أريد الجواب من الفقه المالكي فقط.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على أسئلتك ننبهك إلى ضرورة التمييز بين صاحب السلس، وبين صاحب الحدث المستنكح، فالأول يقصد به ما يتعلق بطهارة الحدث، ويعفى عن صاحبه إذا لازمه كل الوقت أو جله أو نصفه، فلا ينتقض وضوؤه، والثاني أحكامه تتعلق بطهارة الخبث، ويعفى عن صاحبه إذا كان يأتيه كل يوم ولو مرة واحدة، فلا يلزمه غسل النجاسة، لكنه ينقض الوضوء ما لم يصل حد السلس في الملازمة نصف الوقت فأكثر، وكل أسئلتك تتعلق بصاحب الحدث المستنكح، وسنجيب عليها بحسب الترتيب الذي وردت به، فنقول:
1- نص المالكية على أن صاحب الحدث المستنكح مرخص له في عدم غسل النجاسة، قال خليل: "وعفي عما يعسر كحدث مستنكح"، لكنهم ربطوا الحكم بدوام الحدث، وذلك بأن يأتيه كل يوم ولو مرة، أما من يأتيه الحدث يوما ويذهب عنه يوما، فليس داخلا في هذه الرخصة عندهم، جاء في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: "وانظر ما ضابط الحدث المستنكح هنا هل هو ما لا يجب منه الوضوء على التفصيل الآتي في نواقض الوضوء, أو يغتفر هنا كل ما خرج على وجه السلس, ولو كان انقطاعه أكثر من إتيانه إذا أتى في كل يوم مرة, أو أكثر لمشقة الاحتراز منه وهذا هو الظاهر, وقد فسر الجزولي والشيخ يوسف بن عمر الاستنكاح في باب السهو بأن يأتي في كل يوم مرة أو أكثر قالا: وأما إذا أتى بعد يوم أو يومين فليس بمستنكح، قال الوالد رحمه الله تعالى: وهو الذي يظهر هنا" اهـ.
2- محل الرخصة ما لم يستطع المرء رفع سببها بتداوٍ أو نحوه، وإلا فلا رخصة؛ لأن الحكم هنا حكم خاص متعلق بما يعسر على الإنسان فعله، وهو غسل النجاسة المتكررة، فإن أمكنه التداوي ولم يفعل، فمعناه أن المشقة منتفية حكما، وذلك بالقدرة على علاج سببها.
3- جمهور العلماء على أنه لا يجوز الأخذ بأكثر من مذهب في المسألة الواحدة؛ لأن ذلك من التلفيق المذموم، كما سبقت الإشارة إليه في الفتوى رقم: 37716 ، على أن التلفيق في مسألتك غير مطروح؛ لأن المالكية كالجمهور في وجوب غسل النجاسة لمن حدثه غير مستنكح، فالحاصل أن صاحب الحدث المستنكح عند المالكية لا يلزمه تطهير النجاسة إذا تحقق فيه شرطان: ديمومة الحدث، وهي مفسرة بالإتيان في كل يوم ولو مرة، وعدم القدرة على التداوى، وبه تعلم أن الرخصة الخاصة بالمذهب المالكي لا تنطبق على حالتك لسببين:
أولهما: أن الحدث في وضعيتك غير مستنكح، بالمعنى الذي قرره فقهاء المالكية، حيث ذكرت أنه يأتي يوما ويذهب يوما، وأحيانا يوم ونصف.
وثانيهما: أنك ترفض العلاج، وذلك أيضا سبب آخر لإبطال الرخصة، وليس الحياء هنا أو الشعور بالحرج سببا مقبولا شرعا لرفض التداوى.
ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام: 75637 - 135695 - 129342 .
والله أعلم.