السؤال
هل من الصحيح أن أقول إن الإنسان هو أصل كل شر وأصل كل فساد بسبب الذي يحصل في الشرق الأوسط والعالم من أمور؟.
هل من الصحيح أن أقول إن الإنسان هو أصل كل شر وأصل كل فساد بسبب الذي يحصل في الشرق الأوسط والعالم من أمور؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعصية الإنسان لأمر الله، ومخالفته لصراطه المستقيم، هو أصل كل شر ومحنة، وسبب كل بلاء ونقمة، وما ظهر الفساد في الأرض إلا بما جنت أيدي الناس، كما قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ { الروم: 41}.
قال العلامة الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير: الفساد الذي يظهر في العالم ما هو إلا من جراء اكتساب الناس وأن لو استقاموا لكان حالهم على صلاح... الباء في قوله: بما كسبت أيدي الناس ـ للعوض، أي جزاء لهم بأعمالهم، كالباء في قوله تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم {الشورى: 30}. اهـ.
وقال عز وجل: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {محمد: 22}.
قال السعدي: فهما أمران، إما التزام لطاعة الله، وامتثال لأوامره، فثم الخير والرشد والفلاح، وإما إعراض عن ذلك وتولٍ عن طاعة الله، فما ثم إلا الفساد في الأرض بالعمل بالمعاصي وقطيعة الأرحام. اهـ.
وهذه القسمة كانت معلنة منذ بدء الخليقة، كما قال تعالى: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{ طه: 123ـ 124}.
وقال سبحانه: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ {النحل: 33ـ 34}.
قال السعدي: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ـ إذ عذبهم: وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ـ فإنها مخلوقة لعبادة الله ليكون مآلها إلى كرامة الله فظلموها وتركوا ما خلقت له، وعرضوها للإهانة الدائمة والشقاء الملازم: فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ـ أي: عقوبات أعمالهم وآثارها... اهـ.
وهذا هو الحكم والحال منذ أبينا آدم عليه السلام، فما أصابه ما أصابه إلا بذلك، كما قال تعالى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى {طه: 121}.
قال القرطبي: أي ففسد عليه عيشه، حكاه النقاش، واختاره القشيري، وسمعت شيخنا الأستاذ المقرئ أبا جعفر القرطبي يقول: فغوى ـ ففسد عيشه بنزوله إلى الدنيا، والغي الفساد، وهو تأويل حسن. اهـ.
وهذا هو الغالب على حال بني آدم، ولذلك لما قال الله تعالى للملائكة عند خلق آدم: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ {البقرة: 30}.
وراجع في تفسير هذه الآية الفتوى رقم: 51848.
والمقصود أن كسب الناس هو أصل الشرور وسبب حصول أنواع الفساد في الأرض، ولولا حلم الله ورحمته لأهلك ما على الأرض من دابة بذنوب بني آدم، قال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ {النحل: 61}.
قال الشنقيطي في أضواء البيان: قوله تعالى: ما ترك عليها من دابة ـ فيه وجهان للعلماء، أحدهما: أنه خاص بالكفار، لأن الذنب ذنبهم، والله يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى ـ ومن قال هذا القول قال: من دابة، أي: كافرة، ويروى عن ابن عباس، وقيل: المعنى أنه لو أهلك الآباء بكفرهم لم تكن الأبناء، وجمهور العلماء، منهم ابن مسعود وأبو الأحوص وأبو هريرة وغيرهم، كما نقله عنهم ابن كثير وغيره، على أن الآية عامة، حتى إن ذنوب بني آدم لتهلك الجعل في حجره والحبارى في وكرها، ونحو ذلك، لولا أن الله حليم لا يعجل بالعقوبة، ولا يؤاخذهم بظلمهم، قال مقيده عفا الله عنه: وهذا القول هو الصحيح، لما تقرر في الأصول من أن النكرة في سياق النفي إذا زيدت قبلها لفظة: من ـ تكون نصا صريحا في العموم، وعليه فقوله: من دابة ـ يشمل كل ما يطلق عليه اسم الدابة نصا، وقال القرطبي في تفسيره: فإن قيل: فكيف يعم بالهلاك مع أن فيهم مؤمنا ليس بظالم؟ قيل: يجعل هلاك الظالم انتقاما وجزاء، وهلاك المؤمن معوضا بثواب الآخرة، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني