السؤال
ما حكم المال المأخوذ من الأقارب كهدية للتفوق، والطالب قد غش في الامتحانات، وحصل على درجات مرتفعة، حيث تذكرت أن علي مالا لا يجوز لبعض الناس الذين لا أعرفهم، فأردت إخراج هذا المال فأخرجته من مال الهدية التي قد أخذتها بعد هذا الغش، ولجهلي حينها أخرجته بنية التخلص دون نية الصدقة عن أصحابه، فهل يجزئني ذلك؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أنه لا حرج في الانتفاع بهدية التفوق المهداة من أقاربك، وغشك في الامتحانات ليس موجبا لتحريم هذه الهدية، فالهدية هي عطية يبتغى بها وجه المعطَى وكرامته، كما قال ابن تيمية، وقد ذكر الفقهاء أن الهبة التي قصد بها ثواب أو حاجة لا تقتضي عوضا، جاء في كشاف القناع: ولا تقتضي الهبة عوضا ولو مع عرف كأن يعطيه أي: يعطي الأدنى أعلى منه ليعاوضه أو يقضي له حاجة ولم يصرح له بذلك، لأن مدلول اللفظ انتفاء العوض والقرينة لا تساويه فلا يصح إعمالها ولهذا لم نلحقه بالشرط. اهـ.
فمن باب أولى الهدية التي قصد بها إكرام المهدى إليه لتفوقه، وقد غش في دراسته، وأما عن الأموال التي عليك ولا تعرف أربابها: فالظاهر أنك إذا أخرجتها بنية التخلص منها، فإن ذمتك تبرأ بها، ولو لم تنو الصدقة بها عن أربابها، جاء في المجموع للنووي: قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه، فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله، فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة كالقناطر والربط والمساجد ومصالح طريق مكة ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه، وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء. اهـ.
ولم يذكر اشتراط أن يكون ذلك بنية الصدقة عن أصحابها، ويفهم من كلام ابن تيمية أن المشترط على المتخلص من المال بالصدقة ألا ينوي بذلك القربة كما ينويها إذا تصدق بماله، وأن المتخلص هو نائب عن صاحب المال، وأنه إذا تخلص منه بالصدقة فإنها تقع عن صاحب المال، ولم يشترط أن ينوي المتخلص حال الصدقة أنها عن أصحابها، فقد قال: لو حصل بيده أثمان من غصوب وعوار وودائع لا يعرف أصحابها، فإنه يتصدق بها عنهم، لأن المجهول كالمعدوم في الشريعة والمعجوز عنه كالمعدوم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة: فإن جاء صاحبها فأدها إليه وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء ـ فإذا كان في اللقطة التي تحرم بأنها سقطت من مالك لما تعذر معرفة صاحبها جعلها النبي صلى الله عليه وسلم للملتقط، ولا نزاع بين المسلمين في جواز صدقته بها، وإنما تنازعوا في جواز تملكه لها مع الغنى والجمهور على جواز ذلك، فكيف ما يجهل فيه ذلك، وفي هذه المسألة آثار معروفة مثل حديث عبد الله بن مسعود لما اشترى جارية ثم خرج ليوفي البائع الثمن فلم يجده فجعل يطوف على المساكين ويقول: اللهم هذه عن صاحب الجارية فإن رضي فقد برئت ذمتي وإن لم يرض فهو عني وله علي مثلها يوم القيامة، وحديث الرجل الذي غل من الغنيمة في غزوة قبرص وجاء إلى معاوية يرد إليه المغلول فلم يأخذه فاستفتى بعض التابعين فأفتاه بأن يتصدق بذلك عن الجيش ورجع إلى معاوية فأخبره فاستحسن ذلك، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يقول: فاتقوا الله ما استطعتم ـ والمال الذي لا نعرف مالكه يسقط عنا وجوب رده إليه فيصرف في مصالح المسلمين، والصدقة من أعظم مصالح المسلمين، وهذا أصل عام في كل مال جهل مالكه بحيث يتعذر رده إليه كالمغصوب والعواري والودائع تصرف في مصالح المسلمين على مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم، وإذا صرفت على هذا الوجه جاز للفقير أخذها، لأن المعطي هنا إنما يعطيها نيابة عن صاحبها، بخلاف من تصدق من غلول، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول ـ فهذا الذي يحوز المال ويتصدق به، مع إمكان رده إلى صاحبه أو يتصدق صدقة متقرب، كما يتصدق بماله، فالله لا يقبل ذلك منه، وأما ذاك فإنما يتصدق به صدقة متحرج متأثم فكانت صدقته بمنزلة أداء الدين الذي عليه، وأداء الأمانات إلى أصحابها، وبمنزلة إعطاء المال للوكيل المستحق ليس هو من الصدقة الداخلة في قوله: ولا صدقة من غلول. اهـ.
وقال: المال إذا تعذر معرفة مالكه صرف في مصالح المسلمين عند جماهير العلماء كمالك وأحمد وغيرهما، فإذا كان بيد الإنسان غصوب أو عوار أو ودائع أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها فإنه يتصدق بها عنهم أو يصرفها في مصالح المسلمين. اهـ.
والله أعلم.