السؤال
أنا تزوجت بفتاة ثانية في بلد آخر، وقد اشترطت عليها أن أزورها كل ستة أشهر، سؤالي هو: أخاف أن أكون ظلمتها نظراً لأني سأكون عند الأولى معظم الأوقات، وهي في الستة أشهر أياما معدودة، ثم قضية العدل في النفقة كيف يكون؟ ذلك أنني أعيش مع أسرتي الأولى ونأكل ما لذ وطاب، بينما الأخرى سأجعل لها مصروفا يلبي حاجتها في بلدها، علما أن عادة وتقاليد البلدان في الأكل تختلف من بلد إلى آخر، فإذا كان الدجاج مثلا ضروريا في بلد قد لا يكون كذلك في بلد آخر، فما شرط العدل في النفقة؟
وشكرا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعدل واجب على الرجل بين زوجتيه في القسْم والنفقة، وإن أقامتا في بلدين مختلفين، فاختلاف بلد إقامتهما لا يغير من وجوب العدل بينهما شيئا، وهو ما أوضحناه في الفتوى رقم: 56440 .
أما القسم: فإذا اشترط الرجل على الزوجة الثانية ألا يأتيها إلا أياما معدودة كل نصف سنة فقبلت وتنازلت هي عن حقها طواعية، فلا يلزم الرجل من القسم إلا ما اشترط؛ لأن الشروط مقاطع الحقوق، والقسم حق لها وقد تنازلت عنه لزوجها، قال الموفق ابن قدامة: وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ لِزَوْجِهَا، أَوْ لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا، أَوْ لَهُنًّ جَمِيعًا، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِرِضَاهُ، فَإِذَا رَضِيَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُمَا، لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا. اهـ من المغني.
فإذا وفّى الرجل بما اتفقا عليه فقد أدى ما عليه ولم يظلمها، إلا أن يخشى عليها الفتنة لطول الغيبة، فيجب عليه تقصير غيبته لئلا يعرضها للفتن، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}.
وأما العدل في النفقة فالجمهور على أن الواجب على الزوج إنما هو العدل في النفقة الواجبة دون الهبات والعطايا.
وعليه؛ فإذا أدى الرجل لكل من زوجتيه قدر كفايتها من المأكل والملبس والمسكن بالمعروف فقد عدل بينهما؛ لحديث جابر أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، رواه مسلم.
وينظر الخلاف في حكم العدل في النفقة بين الزوجات في العطايا والهبات في الفتوى رقم: 49632 . ولما كانت النفقة الواجبة للزوجة في المأكل مقدرة بالكفاية عرفا جاز أن تتفاوت من امرأة لأخرى تحت الرجل الواحد كمية ونوعية، أما كميةً فلتفاوت حاجة النساء في قدر الطعام الذي تحصل به كفاية كل منهنّ، وأما نوعيةً فلأن مرجع الكفاية إلى العرف بحسب غنى وفقر الزوجين؛ فللغنية تحت الغني من أرفع قوت البلد، وللفقيرة تحت الفقير من أدنى قوت البلد، وماعدا ذلك فمن أوسطه، قال ابن قدامة في الكافي في تقرير ذلك وبيان وجهه: ويختلف ذلك بيسار الزوج وإعساره؛ لقول الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] . وتعتبر حال المرأة أيضًا؛ لقول النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف، فيجب للموسرة تحت الموسر من أرفع خبز البلد وأدمه بما جرت به عادة مثلها ومثله، وللفقيرة تحت الفقير من أدنى خبز البلد وأدمه، على قدر عادتهما، وللمتوسطة تحت المتوسط، أو إذا كان أحدهما غنيًا والآخر فقيرًا ما بينهما، كل على حسب عادته؛ لأنه إيجاب نفقة الموسرين على المعسر، وإنفاق الموسر نفقة المعسرين، ليس من المعروف، وفيه إضرار بصاحبه. انتهى.
فإذا تقرر ما سبق اتضح للسائل أن شرط العدل في النفقة بين الزوجات هو إعطاء قدر الكفاية لكل منهن بحسب عرف بلدها.
والله أعلم.