الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أحكام خياطة الملابس النسائية

السؤال

أمارس الخياطة منذ 18 سنة تقريبًا، في البداية -ونظرًا لقلة الخبرة- كنت أخيط بعض الأشياء في فترات متباعدة جدًّا، ثم بمرور السنوات بدأ العمل يتزايد تدريجيًّا -والحمد لله-، ولكني كنت أخيط كل ما يطلب مني بما فيها الملابس بكافة أنواعها، ومنذ أن منَّ الله -سبحانه- عليّ بالتوبة، والهداية -تقريبًا في عام 2003-، وبالمواظبة على الاستماع للدروس، والخطب، وبرامج الفتوى، والاجتهاد في معرفة ما أمر الله به، وما نهى عنه، والسعي لتطبيقه، ومنها ما يخص مجال الخياطة، وعرفت أن خياطة العاري من الملابس هي مساعدة على انتشار المعصية، فتركت خياطتها، وبقيت أخيط الملابس للمحجبات (حجاب متبرج)، وبالبحث عرفت أنه لا يجوز خياطة كل ما هو غير موافق لمواصفات اللباس الشرعي للمرأة خارج المنزل، وبالتالي؛ اتخذت قرار الابتعاد عن خياطة الملابس بشكل عام نظرًا لقلة من يخطن اللباس الشرعي، والتفرغ لخياطة الستائر، والمفروشات المنزلية، ويبقى لدي استفسارات أرجو أن يتسع صدركم لها:
1- بعد هذا القرار بقي لدي بعض الملابس، هناك ما هو أقمشة، وهناك ما تم تفصيله لزبونة ممن يرتدين الحجاب المتبرج -هداهن الله-، فكيف أتصرف؟ وإذا أتممت خياطتها، فما حكم المال الذي سآخذه أجرة خياطتها؟
2- أحيانًا كانت تأتيني زبونات غير محجبات أصلًا، وأخيط لهن ملابس على شاكلة ما يرتدينه المحجبات حجابًا متبرجًا (ملابس للخروج، أو ملابس سهرة، وأغلب السهرات مختلطة) فما حكم ما أخذته من مال عن تلك الأعمال؟
3- سنة 2011م كنت مكترية محلًّا في منطقة بعيدة عن منزلنا، وجاءتني زبونة بمجموعة من الملابس لأصلحها، ولما عادت ووجدتها جاهزة قالت: إنها لم تحضر المال، وستعود مرة أخرى بالمال وتأخذها، ولكنها لم تعد، وبعد عدة شهور اتخذت قرار إغلاق المحل، والعودة للعمل في المنزل، فأرسلت لها عن طريق من يعرفنها بأن تأتي، ولكنها لم تأت، وأنا لا أعرف أين تسكن، ولا رقم هاتفها، والملابس عندي إلى الآن، فكيف أتصرف فيها؟ وما حكمها بعد هذه السنوات؟
4- هل هناك معايير محددة لحرفة الخياطة من الناحية الشرعية -ما يجوز خياطته، وما لا يجوز- بالتفصيل، وكيف يمكن تقييم الأجر حتى أعرف أني لم آخذ لا أقل ولا أكثر من حقي؟
أرجو من فضيلتك إفادتي، وجزاك الله خيرًا، ونفع بك.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهنيئًا لك بنعمة الله عليك من هداية وتوبة، ونسأله -سبحانه- أن يثبتنا وإياك على صراطه المستقيم، ويزيدنا هدى.
وبخصوص الأسئلة نقول:
1- لا يجوز لك إتمام تفصيل الملابس لمن تعلمين أنها سوف تلبسها على وجه التبرج المحرم؛ لقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، وما أخذت من أجرة خياطتها بعد علمك بالتحريم، يجب عليك التخلص منها بصرفها في المصالح العامة، ووجوه البر.
2- ما سبق من خياطتك لملابس التبرج، إن كان بعد علمك بالتحريم فالحكم فيه كما سبق، أما إن كان قبل علمك بالتحريم، فعند بعض أهل العلم لا يلزمك التخلص مما اكتسبت من ورائه؛ لأنك معذورة بالجهل. جاء في المستدرك على فتاوى ابن تيمية (جمع ابن قاسم): ومن كسب مالًا حرامًا برضاء الدافع، ثم تاب؛ كثمن خمر، ومهر البغي، وحلوان الكاهن. فالذي يتلخص من كلام أبي العباس: أن القابض إذا لم يعلم التحريم، ثم علم، جاز له أكله. وإن علم التحريم أولا، ثم تاب، فإنه يتصدق به. كما نص عليه أحمد في حامل الخمر: وللفقير أكله. اهـ.

وانظري لمزيد الفائدة فتوانا رقم: 51059، وما أحيل عليه فيها.
3- بخصوص الملابس التي تركتها المرأة عندك: فراجعي بشأنها فتوانا رقم: 116978.
4- الحكم فيما تجوز خياطته، وما لا تجوز، إنما هو فرع عن الحكم فيما يجوز لبسه، وما لا يجوز، فما جاز لبسه مطلقًا جازت خياطته مطلقًا، وما جاز لبسه على وجه دون وجه ما، جازت خياطته على وجه دون وجه كذلك، وأما ما حرم لبسه مطلقًا فتحرم خياطته مطلقًا. وانظري الفتويين التاليتين: 37433، 268705.
وأما بخصوص مقدار الأجرة: فليس لها في الشرع حد مقدر، إلا أنه ينبغي التحلي بالسماحة في المعاملات عمومًا. وانظري الفتوى رقم: 5393.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني