السؤال
في حديث القاتل نفسه توعده الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالخلود الأبدي في النار: (من قتل نفسه بحديدة، فحديدته يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها أبدا، ومن شرب سمًّا فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)، والخلود الأبدي في النار لا يكون لمسلم موحد، فهل معنى هذا: أن القاتل لنفسه خارج عن الإسلام أم يحمل الحديث على المستحل لذلك؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن أهل المعاصي من الموحدين تحت مشيئة الله؛ إن شاء عذبهم, وإن شاء غفر لهم, ويعتقدون أنه إن عذبهم في النار فمآلهم إلى الخروج منها؛ للأحاديث المتواترة في خروج الموحدين من النار، ومنها: حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أتاني آت من ربي، فبشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة. متفق عليه.
ومنها: حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار, ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان .. الحديث. متفق عليه.
قال النووي -رحمه الله-: وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة، وَمَا عَلَيْهِ أَهْل الْحَقّ مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف: أَنَّ مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا، دَخَلَ الْجَنَّة قَطْعًا عَلَى كُلّ حَال... وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّة الْكِتَاب، وَالسُّنَّة، وَإِجْمَاع مَنْ يُعْتَدّ بِهِ مِنْ الْأُمَّة عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَة, وَتَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ نُصُوص تحصّل الْعِلْم الْقَطْعِيّ. فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَة حُمِلَ عَلَيْهَا جَمِيع مَا وَرَدَ مِنْ أَحَادِيث الْبَاب وَغَيْره. فَإِذَا وَرَدَ حَدِيث فِي ظَاهِره مُخَالَفَة، وَجَبَ تَأْوِيله عَلَيْهَا لِيَجْمَع بَيْن نُصُوص الشَّرْع. اهـ.
وأما ما ثبت من الأدلة الشرعية مما فيه دلالة على خلود أحد من أهل الكبائر في النار، فقد سبق لنا بيان أن مسلك أهل الحق في ذلك هو: الجمع والتوفيق بين النصوص، لا ضرب بعضها ببعض، وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 137828، والفتوى رقم: 203833، وتجد فيهما مع ما أحالتا عليه من فتاوى: أجوبة عن مسألة خلود قاتل النفس بغير حق في النار, وراجع في خصوص المنتحر الفتوى رقم: 168453.
والله أعلم.