الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الطرق والأساليب الفعالة في دعوة الناس إلى الصلاة تختلف باختلاف الأشخاص؛ فمنهم من تؤثر فيه الموعظة الحسنة بالرفق, واللين, وذكر الآيات القرآنية, والأحاديث النبوية, وبعض القصص الواردة في ثواب المصلي, وعقاب تارك الصلاة، ومنهم من يؤثر فيه التعرف على أهل الخير, ومخالطتهم, فلو أخذته معك, وذهبت به لزيارة أهل العلم فقد يسمع مواعظ ترقق قلبه, وتقوده للتوبة, والاستقامة، فهذا الفضيل بن عياض، قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء:
كان شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته: أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليا يتلو: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم { الحديد: 16} فلما سمعها، قال: بلى يا رب، قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ههنا يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام. اهـ.
وفي قصة الرجل الذي قتل مائة نفس, ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا, فإن بها أناسًا يعبدون الله, فاعبد الله معهم, ولا ترجع إلى أرضك, فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت, فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط. فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم حكمًا، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة. رواه مسلم.
قال النووي: قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب، والإخوان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح، والعلماء, والمتعبدين الورعين، ومن يقتدي بهم، وينتفع بصحبتهم، وتتأكد بذلك توبته. اهـ.
ومنهم من لا يقبل السماع, ولكنه قد يتأثر عند إعارتك له شريطا, أو إرسالك عن طريق وسائل الاتصال رسائل مفيدة في خطر التهاون بالصلاة, فإذا سمع الشريط أو طالع الرسالة على انفراد قد ينتبه لنفسه، ويتوب, كما حصل لكثير من المعاصرين.
وأما ما ذكرت من خوف الرياء, ومن البحث عن ضمان الإخلاص: فجاهد نفسك على الإخلاص, وتجريد النية لله تعالى، واحرص على استشعار المراقبة, واستحضار فضائل الأعمال الصالحة، وأكثر من الاستعاذة بالله سبحانه من الرياء، فعن أبي علي -رجل من بني كاهل- قال: خطبنا أبو موسى الأشعري فقال: يا أيها الناس, اتقوا هذا الشرك, فإنه أخفى من دبيب النمل. فقام إليه عبد الله بن حزن, وقيس بن المضارب فقال: والله لتخرجن مما قلت أو لنأتين عمر مأذونا لنا أو غير مأذون. فقال: بل أخرج مما قلت، خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فقال: يا أيها الناس, اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل. فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه, وهو أخفى من دبيب النمل, يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه, ونستغفرك لما لا نعلمه.
قال المنذري: رواه أحمد, والطبراني, ورواته إلى أبي علي محتج بهم في الصحيح، وأبو علي: وثقه ابن حبان، ولم أر أحدا جرحه. اهـ. وحسنه الألباني لغيره.
وليحذر السائل الكريم أن يأتيه الشيطان من باب مخافة الرياء, ويدعوه إلى ترك بعض الأعمال الصالحة، فالأمر كما قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك. اهـ.
وقد سبق لنا بيان حقيقة الإخلاص، وبواعثه, وثمراته، وحقيقة الرياء, وآثاره, وكيفية علاجه، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10396 ، 8523 ، 7515 ، 10992.
والله أعلم.