الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترك الاستفغار بسبب كثرة الذنوب من تلبيس الشيطان

السؤال

عندما أريد أن أستغفر الله كنوع من أنواع الذكر أمتنع عن ذلك؛ لأني أتذكر ذنبا ما أو أكثر أفعله، فأقول لنفسي كيف تستغفرين الله وأنت تفعلين هذا الذنب؟ فأصبحت لا أستغفر حتى لا أكون من المستهزئين ـ والعياذ بالله ـ فهل هذا بفعل الوسوسة أم لابد أن أتوب من جميع الذنوب قبل الاستغفار؟.
وجزاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالاستغفار من أعظم القرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وهو سبب لحصول الخيرات ودفع الشرور، كما قال تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح:10/11/12}، . والاستغفار هو طلب المغفرة من الله تعالى، وهو يصح من التائب وغير التائب، لكنه من غير التائب من جنس الدعاء فقد يجيبه الله وقد لا يجيبه، وكمال الاستغفار أن يكون مقرونا بالتوبة النصوح، مصحوبا بالندم على الذنب، وعدم الإصرار عليه، وعلى كل فهو فعل خير لا ينبغي أن يتركه، وإن كان الأولى أن يقرنه بالتوبة، وبه تعلمين أن الخير لك هو التوبة مع الاستغفار، وأن استغفارك المجرد فعل خير لا ينبغي لك تركه، والإعراض عنه، وأن ما يحملك على الكف عن الاستغفار إنما هو تلبيس من الشيطان، قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ: الاستغفار طلب المغفرة، والمغفرة هي وقاية شر الذنوب مع سترها، وقد كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ الِاسْتِغْفَارِ، فَتَارَةً يُؤْمَرُ بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة:199}، وَقَوْلُهُ: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ {هود:3}، وَتَارَةً يَمْدَحُ أَهْلَهُ، كَقَوْلِهِ: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ {آل عمران:17}، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {الذاريات:18}، وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ {آل عمران:135}، وَتَارَةً يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِمَنِ اسْتَغْفَرَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء:110}، وَكَثِيرًا مَا يُقْرَنُ الِاسْتِغْفَارُ بِذِكْرِ التَّوْبَةِ، فَيَكُونُ الِاسْتِغْفَارُ حِينَئِذٍ عِبَارَةً عَنْ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ بِاللِّسَانِ، وَالتَّوْبَةُ عِبَارَةً عَنِ الْإِقْلَاعِ مِنَ الذُّنُوبِ بِالْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ. وَتَارَةً يُفْرَدُ الِاسْتِغْفَارُ، وَيُرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَغْفِرَةُ، كَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِغْفَارُ الْمُقْتَرِنُ بِالتَّوْبَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ نُصُوصَ الِاسْتِغْفَارِ الْمُفْرِدَةَ كُلَّهَا مُطْلَقَةٌ تُقَيَّدُ بِمَا ذُكِرَ فِي آيَةِ " آلِ عِمْرَانَ " مِنْ عَدَمِ الْإِصْرَارِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَ فِيهَا بِالْمَغْفِرَةِ لِمَنِ اسْتَغْفَرَهُ مِنْ ذُنُوبِهِ وَلَمْ يُصِرَّ عَلَى فِعْلِهِ، فَتُحْمَلُ النُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ فِي الِاسْتِغْفَارِ كُلُّهَا عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ، وَمُجَرَّدُ قَوْلِ الْقَائِلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي - طَلَبٌ مِنْهُ لِلْمَغْفِرَةِ وَدُعَاءٌ بِهَا، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الدُّعَاءِ، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَجَابَهُ وَغَفَرَ لِصَاحِبِهِ، لَا سِيَّمَا إِذَا خَرَجَ عَنْ قَلْبٍ مُنْكَسِرٍ بِالذَّنْبِ أَوْ صَادَفَ سَاعَةً مِنْ سَاعَاتِ الْإِجَابَةِ كَالْأَسْحَارِ وَأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ.... فاستغفار اللسان مع إصرار القلب على الذنب دعاء مجرد إن شاء الله أجابه وإن شاء رده. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني