السؤال
نعلم جميعا فضل صيام يوم عاشوراء، ولكن هناك شيء أريد الاستفسار عنه: عندما أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وجد اليهود يصومون هذا اليوم فقال: نحن أحق بموسى منكم. فصامه، وقال: لئن بقيت إلى العام القادم لأصومن التاسع. وتوفي ولم يصم التاسع، فهذا يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مكث في المدينة سنة واحدة، ونعلم أنه مكث أكثر من عشر سنوات!
أريد التوضيح، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس بين الأحاديث إشكال بحمد الله، ولا فيها ما يوهم ما ذكرته؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة ووجد اليهود يصومون عاشوراء قال: "نحن أحق بموسى منهم" وصامه وأمر الناس بصيامه، وكان يحب في أول الأمر موافقة أهل الكتاب، فلما انتشر الإسلام وظهر أحب مخالفتهم وأمر بها، ومن ثم؛ فإنه في آخر عمره الشريف قال: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع" وكان هذا في آخر سنة من سني عمره الشريف -صلى الله عليه وسلم-، فقوله: "نحن أحق بموسى منهم" كان في أول الأمر عند مقدمه المدينة، ثم مكث بها ما شاء الله أن يمكث، وقال: "لئن عشت إلى قابل" في آخر الأمر، قال الحافظ -رحمه الله- في الفتح: ما رواه مسلم مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ. فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَصُومُ الْعَاشِرَ، وَهَمَّ بِصَوْمِ التَّاسِعِ, فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ, ثُمَّ مَا هَمَّ بِهِ مِنْ صَوْمِ التَّاسِعِ يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ, بَلْ يُضِيفُهُ إِلَى الْيَوْمِ الْعَاشِرِ إِمَّا احْتِيَاطًا لَهُ, وَإِمَّا مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى, وَهُوَ الْأَرْجَحُ, وَبِهِ يُشْعِرُ بَعْضُ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ, وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن ابن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ, وَخَالِفُوا الْيَهُودَ صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ. وَهَذَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ, وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءِ, وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيمَا يُخَالِفُ فِيهِ أَهْلَ الْأَوْثَانِ, فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ وَاشْتُهِرَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ أَحَبَّ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْضًا, كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ, فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ, فَوَافَقَهُمْ أَولا, وَقَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ. ثُمَّ أَحَبَّ مُخَالَفَتَهُمْ فَأَمَرَ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ يَوْمٌ قَبْلَهُ وَيَوْمٌ بَعْدَهُ خِلَافًا لَهُم. انتهى. وبه يتضح الأمر بحمد الله.
والله أعلم.