السؤال
هل الرقية الشرعية تعيد البصر لصاحبه إذا كان فاقد البصر؟
أولًا: جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه، وأرجو منكم جوابا نافعا:
شيخي الفاضل، في كوردستان عندنا شيخ اسمه: (ملا علي محمد كه لي) معروف جدا، وهو كوردي الأصل، وأيضا يتكلم باللغة العربية، ولكن ليس جيدا، وأيضا لديه مئات الفيديوهات في موقع اليوتيوب، وإن شاء الله سأرفع لكم روابط الفيديو في نهاية الموضوع.
هذا الشيخ يعالج الناس بالقرآن، وبالدعاء، ولكن مع الأسف الشديد بعض الناس لا يصدقونه -وأنا واحد منهم-، ويقولون: هذا ساحر ودجال.
وبعض الناس يصدقونه، والغريب في هذا الرجل أنه يشرب البول!!! ويقول: البول شفاء وحلال! والشيء العجيب الذي حير الناس هو: عندما يأتي المريض إلى بيته فهو يعالجه بالقرآن بسرعة لا تتجاوز10 دقائق مهما كان المرض صعبا. وحسب اطلاعي على فيديوهاته في اليوتيوب فهو يعالج الأمراض التالية: السرطان، الشلل، فقدان البصر، الصم، البكم، العمى، الأمراض النفسية، السحر، ومس الجن، والعقم... إلخ.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرقية الشرعية سبب من الأسباب قد يحصل بها علاج العمى، والسحر، وغيرها.
وأما عن حال هذا الرجل: فإنه ليس عندنا ما يمكن الجزم به في شأنه؛ لأننا لم نعرفه، ولم نجد من خبره ما يكفي للحكم عليه.
وأما عن البول: فإن السائل لم يوضح لنا هل هو بول إبل أو مأكول اللحم أم هو بول إنسان أو حيوان محرم الأكل؟ وهل يشربه للعلاج به أم لا؟ فإذا كان يشربه لغير علاج، فقد فعل محرمًا بشربه البول، سواء كان نجسًا أو بول حيوان مباح الأكل؛ لخبثه، قال البهوتي في كشاف القناع:
( ولا ) يباح ( أكل النجاسات كالميتة والدم ) لقوله تعالى: { حرمت عليكم الميتة والدم } ( والرجيع ) أي: الروث ( والبول ولو كانا طاهرين ) لاستقذارهما ( بلا ضرورة )، فإن اضطر إليهما أو إلى أحدهما جاز. اهـ.
واذا كان يشربه للعلاج: فإنه قد جوَّز النبي -صلى الله عليه وسلم- العلاج ببول الإبل، ففي مسند الإمام أحمد، ومعجم الطبراني، ومسند الحارث، والطب لأبي نعيم، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن في أبوال الإبل وألبانها شفاء للذربة بطونهم" وذكر الحافظ أنه رواه ابن المنذر، وفي إسناد الحديث: ابن لهيعة، وفيه كلام، ولكن للحديث شواهد قد يحسن بها، منها: ما رواه البخاري، ومسلم عن أنس في قصة العرنيين، وفيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حثهم على شرب أبوال الإبل وألبانها لما اشتكوا واجتووا المدينة، وفي رواية لمسلم أنهم قالوا: "يا رسول الله، إنا اجتوينا المدينة فعظمت بطوننا، وارتهشت أعضاؤنا..." وعند النسائي: "فاجتووا المدينة حتى اصفرت ألوانهم وعظمت بطونهم..."
وقال ابن القيم: وفي القصة: دليل على التداوي والتطبب، وعلى طهارة بول مأكول اللحم، فإن التداوي بالمحرمات غير جائز، ولم يؤمروا مع قرب عهدهم بالإسلام بغسل أفواههم، وما أصابته ثيابهم من أبوالها للصلاة، وتأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة. انظر زاد المعاد من هدي خير العباد(4/46-48).
وقد ثبت طبيًّا بالطرق العلمية في عصرنا هذا الفوائد العلاجية الكبيرة في ذلك، حتى إنه ليذكر كنموذج للإعجاز العلمي في السنة النبوية، وراجع في ذلك الفتويين: 253702، 73717.
وأما البول النجس، كبول الآدمي، وبول الحمير، ونحوها: فهو نجس باتفاق العلماء، والأصل هو تحريم الدواء بالحرام، والنجس، إلا إذا اضطر إليه، وثبت أن فيه دواء بإخبار خبير ثقة، ولم يوجد ما يقوم مقامه من المباحات، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا، وَلا تَتَدَاووا بِحَرَامٍ. رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَدَاوَى بِحَرَامٍ لَمْ يَجْعَلِ الله فِيهِ شِفَاءً. رواه أبو نعيم في الطب، كما في السلسلة الصحيحة للألباني.
وقال العز بن عبد السلام -رحمه الله-: ( جاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهرًا يقوم مقامها، لأن مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة) انتهى من قواعد الأحكام.
وقال النووي في المجموع: إذا اضطر إلى شرب الدم أو البول أو غيرهما من النجاسات المائعة غير المسكر، جاز شربه بلا خلاف… إلى أن قال: وإنما يجوز التداوي بالنجاسة إذا لم يجد طاهرًا يقوم مقامها، فإن وجده حرمت النجاسة بلا خلاف، وعليه يحمل حديث "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" فهو حرام عند وجود غيره، وليس حرامًا إذا لم يجد غيره… انتهى.
وقال ابن عابدين في حاشيته: يجوز للعليل شرب البول، والدم، والميتة للتداوي، إذا أخبره طبيب مسلم أن منه شفاءه، ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه. انتهى.
والله أعلم.